مقالات عامة

لقاءات في خضم الغليان

علي قباجه

من أراد التحرر فعليه تعزيز بناء جسور الثقة مع شعبه، والرهان عليه في تحقيق المكاسب. والقرارات التي تتخذ في سبيل استعادة الحقوق من المهم أن تكون مفصلية وصارمة، وأن لا يصيبها مس من التلكؤ والانهزاز، فالطريق وعرة تحتاج إلى صبر وصلابة في المواقف، وإرادة حقيقية لبلوغ المنتهى المراد، وهذا ما يجب أن تتصف به القيادة الفلسطينية وأن تتمكن من حمل الأعباء باقتدار، وإلا، فلتفسح المجال لغيرها لتأدية المهام التي تحتاجها فلسطين أمام الهجمة «الإسرائيلية»- الأمريكية المتصاعدة.
ربما تكون للسلطة مبرراتها حول اللقاءات التي عقدتها ومن المزمع أن تعقدها مع مسؤولين «إسرائيليين»، والتي آخرها لقاء وزيرة فلسطينية بنظيرها «الإسرائيلي» خلال افتتاح مشروع على جسر «اللنبي» بين الأردن والأراضي المحتلة، وأيضا اللقاء المفترض أن يجمع وزير مالية الاحتلال موشيه كحلون مع رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله. ولكن بماذا ستقنع السلطة شعبها ببراءة هذه اللقاءات وأهميتها، في حين أن الدم مسفوك والأرض ضائعة والاقتصاد محطم والمستوطنات قضمت الضفة ولم تبق قرية إلا ووضعت بصماتها عليها.
في حين أن القرار الذي احتفى به الفلسطينيون ومن خلفهم العرب، بعدم استقبال المسؤولين الأمريكيين و«الإسرائيليين»، كان لا بد أن يكون دافعاً لأن تلتزم القيادة بقرارها، وعدم الرجوع دون أن تلمس تراجعاً حقيقياً من الاحتلال وداعميه. فأفعال كهذه ربما تدفع المنطقة العربية التي تحترق لأجل القدس، إلى مزيد من الإحباطات تعود بالسلب على السلطة وتفقدها ما تبقى لها من حاضنات.
اللقاءات تعد انتصاراً كبيراً للاحتلال، وصفعة للمجتمع الدولي والعرب الذين تعاطفوا مع الفلسطينيين، وأوجد لهم المبررات حول ردات فعلهم، فالآلة الإعلامية الاحتلالية استغلت ذلك، وبدأت في تجييش الرأي العام لصالحها، في حين أن المكاسب التي حققتها السلطة صفرية بل انعكس على سمعتها ومصداقيتها بالسلب.
القضية تحتاج إلى سياسة مبدئية، لا تقبل المهادنات، أو المجاملات على حساب الأرض، ولا تستجيب لأي ضغوط كانت، فلا شيء أهم من القدس وفلسطين، فعلى من يملك زمام الأمور عدم ممارسة سياسات ارتجالية وعشوائية غير مدروسة، فالأرض تمور وتحترق، والغليان على أشده، والمزيد من المناورات والتساهل في موضوع التنسيق الأمني يدفع الأوضاع للتصعيد.
ما أحوج فلسطين اليوم لسياسة وطنية، والعودة إلى العمل النضالي بكامل أركانه، يجمع كل الأطياف ويوحد بوصلتها في مواجهة الاحتلال وإجراءاته العبثية، خاصة مع سقوط الرهانات على أي عملية سلمية والتي نعاها نتنياهو في اجتماعه مع الرئيس الفرنسي ماكرون بقوله إنه لا سيادة فلسطينية على الأغوار، وأن إدارة الأمن في بقية أراضي 1967 هي «إسرائيلية». فالسلام لا يمكن أن يكون مع سارق وقاتل، ورافض لأي تسوية.

aliqabajah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى