قضايا ودراسات

لقاء ترامب وبوتين .. إنجاز يتيم لقمة العشرين

د. غسان العزي

على خلفية تظاهرات عنيفة في هامبورج ضد قمة العشرين سقط فيها المئات من الجرحى من طرفي الشرطة والمتظاهرين وخلافات بين الولايات المتحدة والدول التسع عشرة الأخرى حول التغير المناخي والتجارة، انعقدت هذه القمة. وقد صدر بيانها الختامي في الثامن من يوليو ليأخذ علماً بخروج واشنطن من اتفاقية باريس (كوب 21) الموقعة في نهاية العام 2015 وعزلتها الدولية، كون الدول الأخرى اعتبرت أن الاتفاقية نهائية وغير قابلة للتفاوض أو للمراجعة. رغم ذلك عبر الرئيس الفرنسي ماكرون عن أمله بإقناع نظيره الأمريكي بالعودة عن قراره في الوقت الفاصل عن القمة التي سيدعو إليها في باريس في ديسمبر المقبل في باريس حول التغير المناخي.
قمة العشرين بحد ذاتها لم تأت بجديد، وقد خطف لقاء ترامب وبوتين منها الأضواء وحبر التحليلات. لقد حدث هذا اللقاء الثنائي الأول من نوعه بين زعيمي القوتين الأعظم ودام ساعتين وربع الساعة بعد أن كان مبرمجاً لنصف ساعة. وخلاله تم التباحث في كل المواضيع من أوكرانيا إلى كوريا الشمالية وسوريا والاتهامات الموجهة إلى موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. وعلق وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون على الاجتماع بالقول «إن الكيمياء تعمل جيداً وبشكل إيجابي بين الرجلين».
طبعاً «اقتنع» ترامب بإنكار الروس لهذه الاتهامات، فهو يريد إقفال هذا الملف الذي يشكل خطراً على استمراره في الرئاسة. لكن ذلك لن يكون بالأمر اليسير وسط المعلومات الجديدة التي وصلت إلى اللجنة المستقلة في واشنطن التي تحقق في هذا الملف، ووسط الاعتراضات السياسية على هذه العلاقة الخاصة ما بين ترامب وبوتين التي لم تعتم عليها تصريحات ترامب ضد روسيا في بولونيا عشية القمة.
من جهته أبدى بوتين قناعته بإمكانية إطلاق علاقة جديدة مع ترامب «المختلف جداً» عما يقال عنه في وسائل الإعلام، مضيفاً أن الولايات المتحدة لم تتغير لكنها أضحت «أكثر براغماتية» في الملف السوري وأن «هناك قناعة متبادلة بأنه إذا وحدنا جهودنا يمكن أن ننجز الكثير».
بالنسبة للملف الكوري الشمالي توجه ترامب إلى نظيره الصيني جينبينغ بالقول إنه آن الأوان لعمل شيء ما» من أجل ًيجاد حل للأزمة الكورية – الشمالية. وتتوجه واشنطن باللوم إلى بكين لأنها لا تضغط بشكل جدي على بيونج يونج شريكتها التجارية الأساسية، وفي المقابل تطلب بكين من واشنطن التوقف عن المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية من أجل تخفيض منسوب التوتر.
وإذا كان ثمة من إنجاز وحيد لقمة العشرين فهو ما خرج به اجتماع زعيمي الدولتين العظميين، أي الاتفاق الخجول لوقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا الذي ينظر إليه بعض المراقبين كخطوة أولى في طريق عقد الصفة الكبرى حول سوريا. هذا الاتفاق استغرق التوصل إليه شهوراً من المباحثات، تحديداً منذ لقاء تيلرسون وبوتين في موسكو في إبريل المنصرم.
هذا الاتفاق يشكل انتصاراً لروسيا، بحسب محللين غربيين، لأنه يشكل اعترافاً أمريكياً بنجاح تدخلها العسكري لحماية الأسد. فقد شدد بوتين على أهمية تأسيس مناطق خفض التوتر في سوريا منتقداً في الوقت نفسه عبارات ريكس تيلرسون حول مصير الأسد قائلاً بأن تيلرسون «ليس مواطناً سورياً ومصير الأسد يحدده المواطنون السوريون فقط».
يقوم الاتفاق الأمريكي – الروسي على ثلاثة أسس هي بقاء الأسد في السلطة، مؤقتاً على الأقل، وإبعاد إيران عن المناطق الحدودية السورية والعمل المشترك على إنشاء مناطق آمنة توخياً لإنهاء أزمة النازحين. وبشكل عام يرسم إطاراً جيوسياسياً وميدانياً لتقاسم النفوذ في مرحلة ما بعد «داعش».
لكن تبقى دون هذه الصفقة عقبات كأداء. «إسرائيل» لا توافق على انتشار قوات روسية، ولو مجرد خبراء ومراقبين، على الحدود معها وتفضل أن يكونوا أمريكيين رغم علمها بأن الكونجرس يرفض ذلك. وقد يستغل نتنياهو هذه الثغرة للعمل على عرقلة تنفيذ الاتفاق. من جهتها إيران، التي تعرف أن الاتفاق يستهدف إضعاف نفوذها لمصلحة النفوذ الروسي، فقد تعمل هي الأخرى على إجهاضه عبر المجموعات التي تدعمها. وفي واشنطن سيرتفع منسوب التوتر بين ترامب ومعارضيه الذين يعتبرون لقاءه ببوتين انتصاراً لهذا الأخير وينتظرون نتائج التحقيق في تدخلاته في الشؤون الداخلية الأمريكية.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى