قضايا ودراسات

لماذا استهداف ترامب داخلياً؟

محمد نور الدين

حتى الدول العظمى، وليست فقط الكبرى، تعاني صراعات عميقة داخل مؤسساتها، ويدخل أطرافها في معارك كسر عظم وتصفيات وانتقامات.
ليست الخطوة مقتصرة على الدول «الصغيرة»، أو «المتوسطة»، ولا على الدول الفقيرة، على قاعدة أن الفقر يولد الخلافات والصراعات. ولا تقتصر على الدول الديكتاتورية، أو ذات الأنظمة العسكرية.
هذا حدث فعلاً في الولايات المتحدة منذ أن بدأت الحملة ضد دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية، واتهامه بالتعامل مع الخارج. والخارج هنا ليس سوى العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة، أي روسيا، بزعامة فلاديمير بوتين.
منذ أن تحدث ترامب عن رغبة في التعاون مع روسيا لحل المشكلات الثنائية والعالمية، استنفر حيتان المال والإعلام والصناعات العسكرية متحسسين الخطر على موارد رزقهم.
لا يعني ذلك أن دونالد ترامب ليس موالياً لعالم المال، وهو أحد أبرز رموزه، لكنه ببساطة هو خارج المؤسسات التقليدية، وحارب حتى حزبه الجمهوري الذي سعى إلى عرقلة ترشيحه أولاً، ومن ثم انتخابه، لكنها محاولات ذهبت سدى وفاز ترامب على هيلاري كلينتون.
ومنذ أن تولى موقعه الرئاسي في البيت الأبيض وعهد ترامب لم يستقر بعد. وتشكيل إدارته لم يكتمل، وليس من سياسات محددة لا في الداخل ولا في الخارج. ربما كان إلغاء برنامج أوباما الصحي هو الاستثناء في هذا المجال.
ومنذ اللحظة الأولى لتسلمه السلطة وضع المحللون فترة سماح له تقدر بستة أشهر تقريباً، لبلورة سياساته. فترة أكثر من ذلك تنعكس سلباً على سياسات الولايات المتحدة، وتظهرها عاجزة عن المبادرة، وبالتالي عن قيادة العالم. وحين تعجز القوة العظمى الأولى عن ذلك يحدث خلل مرحلي يفضي إلى تغيير موازين القوى في انتظار ظهور قوة عظمى أولى جديدة. المعادلات الحالية لا تزال تحتفظ للولايات المتحدة بصفة القائدة للنظام العالمي. لكن في فترة أوباما تقدم العامل الروسي ليس لضعف في إدارة أوباما، ولكن لأن حجم المشكلات ومساحتها الجغرافية كان كبيراً. حيث انفجرت الحروب في العالم العربي من ليبيا إلى تونس ومصر وسوريا والعراق واليمن. كذلك انفجرت المشكلة الأوكرانية. وضاعفت كوريا الشمالية من تحديها للولايات المتحدة. ما أتاح المجال لروسيا ومن خلفها الصين لتتقدم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في العالم.
الفارق مع ترامب أن هذا أبدى استعداده للتعاون مع روسيا. وهذا بخلاف رأي المؤسسة العسكرية والمخابرات. ومن هنا، كل هذا الارتباك في الإدارة الأمريكية وفتح ملفات بوجهها.
من الواضح أن أحداً لا يعرف بدقة ما ستكون عليه نهاية هذه المواجهة. ولكنها لا شك غير مسبوقة، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بمآلاتها. فالرئيس قوي من الناحية الدستورية. لكنه ليس كذلك تجاه الملفات المرمية في وجهه.
استقال أولاً مستشاره الجديد للأمن القومي مايك فلين، وكانت سابقة. ومن ثم كانت إقالته، كذلك غير المسبوقة، لرئيس التحقيقات الفيدرالية.
واليوم تأتي مسألة ما إذا كان ترامب أفشى بأسرار عسكرية لروسيا خلال لقائه وزير خارجيتها سيرغي لافروف.
ورغم تحدي ترامب فإن المؤسسة الأمريكية لا تزال تقاوم لتعيد هيبتها وثوابتها القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في اعتبار الاتحاد السوفييتي خطراً، وبعد انهياره انتقل هذا الخطر إلى روسيا.
حتى الآن لم تكشف الأسرار الكاملة لاغتيال الرئيس جون كينيدي. الدولة العميقة موجودة في كل دول العالم. هي ليست قدراً ويمكن أن تنكسر لتحل محلها دولة عميقة جديدة. لكن انكسار الدولة العميقة في بلد مثل الولايات المتحدة ستكون له نتائج عميقة. وهو ما يجعل الصراع بين ترامب والدولة العميقة مسألة دولية يشارك فيها لاعبون كبار في العالم، وفي مقدّمهم روسيا.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى