قضايا ودراسات

لماذا التصعيد في دعوات إعادة رسم حدود المنطقة؟

عاطف الغمري
تصاعدت في الأيام الأخيرة لهجة الدفع بمشروعات إعادة رسم حدود دول الشرق الأوسط وتقسيمها. وأخذت الدعوات تفصح عن نفسها علناً، في خروج عما كان مألوفاً في الفترات الماضية، من طرح هذه الأفكار، وكأنها بالونات اختبار، أو صناعة لأفكار يرجى لها أن تجد اقتناعاً بأنه لا بديل عن هذا الحل.. وإن كان طرحها يأتي بشكل متقطع، وفي فترات متباعدة نسبياً عن بعضها، بعكس ما نراه الآن.
ولننظر إلى هذه العناوين. فهذه دراسة كتبها دانييل ديب الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكية بدأها بجملة: «هل مازال للعراق وسوريا وجود؟».
وورقة عمل لمعهد بروكنجز في واشنطن كتبها إيتمار رابينو فيتش يقول إن النظام السياسي المشوش في الشرق الأوسط، ربما يعيد تشكيل البيئة الاستراتيجية في المنطقة.
وما كتبه الصحفي الأمريكي جون روبن في صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2013 بعنوان «إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط». ومقال للكاتب كيني كوتا بعنوان «كيف يمكن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط». ويقول إن الكثيرين يعتقدون أن نزاعات المنطقة، كان يمكن أن تكون أقل مما هي عليه اليوم، لو رسمت الحدود بطريقة مختلفة، من بعد الحرب العالمية الأولى.
وتقترب الطروحات من المستوى الرسمي، فيما أعلنه مايكل هايدن جنرال القوات الجوية المتقاعد، والمدير السابق لوكالة الأمن القومي، ونائب سابق لمدير وكالة المخابرات المركزية، في تصريح لصحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، يقول: إن الوقت قد حان لإعلان الحقيقة، والاعتراف بأن العراق وسوريا لم يكن لهما وجود من قبل، بينما ليبيا ولبنان على وشك الانهيار. وإن سوريا والعراق، لا تزالان عضوين بالأمم المتحدة، لكنهما في الحقيقة دولتان، قد زالت كل منهما.(!!)
ويعترف جابرييل سيينمان أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون، بالتدابير الجارية للتقسيم بقوله: حسب تفكير أمريكا وأوروبا، فإنهما لن يقفا في طريق بلقنة الشرق الأوسط، ومشيراً إلى أن جون كيري وزير الخارجية في إدارة أوباما، ومسؤولين آخرين، كانوا قد طرحوا فكرة إصلاح الشرق الأوسط، بإعادة رسم الحدود بين دوله.
ونقل الباحث جوشوا كيتنج عن جون كيري قوله أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في يونيو 2016، أن بقاء سوريا داخل حدودها الحالية، قد تكون أمامه فرصة محدودة، إذا لم يحدث تقدم في التسوية السياسية.
ويشير كيتنج إلى أن تلك من الحالات القليلة التي يتحدث فيها مسؤول أمريكي كبير عن إعادة رسم الحدود في الشرق الأوسط.
وكان آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي السابق قد أشار إلى اقتراح مماثل بالنسبة لمستقبل العراق، أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب.
وبشكل عام، فإن هذه الخطة الجديدة للتقسيم، أصبحت تعرف بالخطة -Plan B.
ومن الآراء المهمة التي تضمنت قدراً كبيراً من الوضوح، ما ذكره البروفيسور جيوفاني باجاني أستاذ سياسات الشرق الأوسط بكلية لندن للدراسات الشرقية والإفريقية، في دراسة تحت عنوان «لماذا سيكون من الحماقة المطلقة إعادة رسم حدود دول الشرق الأوسط، على أسس عرقية؟».
وقال إن محللين وجنرالات من مؤسسات سياسية مختلفة، بدأ طرح فكرة إعادة رسم خريطة المنطقة على أسس عرقية، وقد يكون هذا نوع التفكير في حل النزاعات القائمة. بمعنى أن احتمال تقسيم سوريا والعراق على أسس عرقية، قد يكون خياراً حقيقياً. وأن هذا المقترح بدأ يظهر في تعليقات الميديا، وهو ما لاحظه المراقبون. وأن تعديل الحدود في سوريا، قد يلقى قبولاً إيجابياً في أكثر من دولة، من «إسرائيل» إلى إيران.
والحقيقة أن أساليب إعادة رسم خريطة المنطقة، وفق الاحتياجات الاستراتيجية للقوى الأجنبية، كانت قد تبلورت، عندما أعلنت كوندوليزا رايس في عام 2006، وهي في «تل أبيب»، مصطلح الشرق الأوسط الجديد، تطويراً للمصطلح السابق إعلانه تحت اسم الشرق الأوسط الكبير. وهو تحول يعبر عن مخطط يستغرق تنفيذه لسنوات، ويقوم على إطلاق موجات عدم الاستقرار، والفوضى الخلَّاقة، والعنف في المنطقة. وهو ما اعترفت به مجلة القوات المسلحة الأمريكية M.S. Armed Forces Journal في عام 2006، حين نشرت خريطة تقسيم دول المنطقة، بإعادة رسم حدودها عن طريق العنف، والحروب الأهلية، وبصورة تتفق مع ما كانت كوندوليزا رايس قد أعلنته.
كل ذلك يزيح الستار عما هو مستتر وراء الكواليس، من أن كلمة النهاية التي يريدونها لمشهد إعادة رسم الحدود، وتقسيم دول المنطقة، هي ختام القصة الطويلة التي بدأت قبل سنوات بالترويج للفكرة الخبيثة، والتحريض على الصراعات والانقسامات، وصولاً إلى الحروب الداخلية، ومن ثم تتولد خلالها دعوات الانقسام، والتقسيم، وتفتيت دول المنطقة، إلى كيانات ضعيفة متهافتة.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى