قضايا ودراسات

لماذا يتزايد الصّينيون المؤيّدون للعولمة؟

لونج يونجتو*
أدرك الصينيون أن المشاكل التي رافقت العولمة، لم تكن بسبب العولمة في حدّ ذاتها، بل في المناهج التي اتبعتها الحكومات في تطبيقها. لذلك، تزايد تأييدهم لها، مع إدخال إصلاحات عليها.
خلال العقد الماضي، أو العقدين الماضيين، طرأ تحوّل ملحوظ على نظرة الصينيين إلى العولمة، حيث بدأ الناس الذين كانوا يثيرون الشكوك حول هذا الاتجاه العالمي، بالاقتناع بأنه يجب على البلاد تحديداً، أن تكون منخرطة في المشاركة في العملية، إن لم يكن في قيادتها.
وفي رأيي، أن العولمة التي نتحدث عنها اليوم ينبغي أن تكون أولاً العولمة الاقتصادية، التي تتأثر إجمالاً بثلاثة عوامل أساسية:
أولاً، أن التقدم الجوهري الذي تمّ تحقيقه في العلم والتكنولوجيا، والتطور من تكنولوجيا المعلومات إلى الذكاء الاصطناعي، هو القوة الدافعة الأكثر حيوية، التي توجه عولمة الاقتصاد العالمي. وقوة العلم والتكنولوجيا تتجاوز الحدود باعتبارها قوة رائدة في دعم الإنتاجية. ولذلك، من المهم دراسة الخصائص والاتجاهات الجديدة للتقدم العلمي والتكنولوجي.
ثانياً، أنّ التكتلات متعددة الجنسيات تتقدم بالعولمة الاقتصادية من خلال التجارة والاستثمار العالميين.
ثالثاً، أن العولمة الاقتصادية في واقع الأمر، عملية نقل صناعي عالمي وإعادة هيكلة. وخلال العقود القليلة الماضية، انتقلت الصناعات التحويلية من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات الناشئة مع انتقال التكنولوجيات والموارد البشرية.
واعتادت الشركات المتعددة الجنسيات أن تكون الناقل الرئيسي للعولمة الاقتصادية، أمّا الآن، بعد مولد الإنترنت، فإن الألوف من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، تتمتع بإمكانية وصول إلى المعلومات والتكنولوجيا والتجارة والاستثمار، متساوية مع إمكانية وصول الشركات الكبيرة.
واعتاد جوهر العولمة الاقتصادية أن يكون انتقالاً هائلاً للصناعات، مثل صناعة الصلب، من الاقتصادات المتطورة إلى الاقتصادات الناشئة. ولكنه حتى هذا التاريخ، يدور حول تمديد السلاسل الصناعية وإنشاء شبكات سلاسل التوريد.
وهنالك حجة مضمونها أن العولمة في حالة انعكاس أو حتى أنها ستختفي. فكيف يمكن لنا أن نصدر حكماً موضوعياً وشاملاً على التطورات الجديدة في العولمة الاقتصادية؟ لماذا تعاني العولمة انتكاسات في عالم اليوم؟ ولماذا تصاعدت المشاعر المناهضة للعولمة في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية؟
في واقع الأمر، إن ما سبّب الانتكاسات والمشاكل أثناء عملية العولمة، لا يكمن في العولمة ذاتها، بل في نهج الحكومات في التعامل مع تأثير العولمة في التقسيم الاجتماعي. فالطبقات الاجتماعية المختلفة، لم تأخذ نصيباً عادلاً من فوائد العولمة الاقتصادية. ولذلك، فإن كيفية معالجة هذه المشكلة، أمر حيوي للتقدم المطّرد للعولمة.
ومنذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي في الصين، تعهدت قيادة الدولة الصينية باتباع نهج هادف إزاء تخفيف وطأة الفقر من أجل تضييق الفجوات الإقليمية وحل مشكلة عدم المساواة في التنمية والتوزيع. والخطة الأخيرة لبناء المنطقة الجديدة في شيونجان في مقاطعة «هبي» في شمالي الصين، واحدة من مثل هذه الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق التوازن في التنمية الإقليمية.
ونتيجة لذلك، فإن أغلبية الشعب الصيني، في مواجهة المشاكل الناشئة عن العولمة، تبنت الانفتاح والإصلاحات.
والسعي إلى التوزيع العادل، هو تجربة الصين التي يمكن أن تكون مرجعاً للدول الغربية عندما تتصدى للمشاعر المناهضة للعولمة.
وهنالك حجة أخرى مضمونها أن الصين في ظل الظروف الحالية، سوف تحلّ محل الولايات المتحدة في قيادة العولمة الاقتصادية. ولا أعتقد أن ذلك سوف يأتي في وقت قريب. فعلى الرغم من تقنيات الصين المتطورة في مجالات محدودة، لا تزال الفجوة هائلة عندما تقارن الصين تطورها العلمي والتكنولوجي بتطور الدول الغربية.
وعلى الرغم من تزايد عدد الشركات الصينية المدرجة في قائمة أكبر 500 شركة في العالم، فإن الكثير منها أقل كفاءة، على ضوء قيمها الأساسية، التي لن تسمح لها بأن تصبح الناقل الرئيسي للعولمة الاقتصادية.
وأخيراً وليس آخراً، لا يزال أمام الصين طريق طويل للارتقاء بصناعاتها، من صناعات أرخص وأقل جودة، إلى صناعات هي الأكثر تطوّراً وأعلى سعراً.

* كبير المفاوضين الصينيين (السابق) في محادثات انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، ورئيس مشارك حالياً للمؤتمر العالمي للمديرين التنفيذيين. موقع: «تشاينا دوت أورج»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى