قضايا ودراسات

ليبيا.. الخروج من «المتاهة»

«إن مصلحة بلادكم على رأس اهتماماتي». هكذا كتب المبعوث الأممي الجديد غسان سلامة مخاطباً الليبيين في أول تغريدة له بمناسبة توليه منصبه الجديد. سلامة هو ثاني لبناني بعد طارق متري، وثالث عربي بعد الأردني عبدالإله الخطيب يتولى هذه المهمة، وسادس مبعوث دولي إلى بلاد عمر المختار. يذكر هنا أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس سبق أن رشح في الأسابيع القليلة الماضية رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض لهذه المهمة، لكن الولايات المتحدة وبتحريض صهيوني رفضت تسمية فياض واعتبرت هذه التزكية بأنها «انحياز للسلطة الفلسطينية على حساب حليفتنا إسرائيل»، على حد تعبير المندوبة الأمريكية لدى المنظمة الدولية نيكي هايلي.
اختيار سلامة لم يواجه بأي اعتراض في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وسبق للمبعوث الجديد أن عمل مستشاراً سياسياً لبعثة الأمم المتحدة في العراق عام 2003 كما عيّن أيضًا مستشارًا خاصًا للأمين العام في الفترة بين عامي 2003 و2007. وإذ يُعرف عن سلامة (وهو وزير سابق للثقافة في بلده)، كفاءته ونزاهته فإن مهمة عسيرة تنتظر الرجل وهو يتأهب للخوض في المتاهة الليبية التي أعيت من قبله خمسة مبعوثين أمميين، علاوة على وسطاء إقليميين ودوليين من مستويات رفيعة. وتعود تعقيدات الوضع الليبي إلى التنازع على الشرعية بين حكومتين ومجلسي نواب، وإلى تعدد الفصائل والجهات المسلحة التي ترفض التخلي عن سلاحها والانضواء في جيش وطني موحّد متفق على أسس تشكيله ومرجعيته.
وما زال اتفاق الصخيرات الموقّع في المغرب في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2015 يشكل المرجعية للحلول المأمولة، وقد نجم عنه تشكيل مجلس رئاسي لحكومة وفاق وطني تحظى باعتراف دولي، كما انبثق عن الاتفاق مجلس دولة استشاري وتمديد لمجلس النواب في شرق البلاد طبرق. غير أن أطرافاً محلية عديدة تدعو إلى تعديل الاتفاق، أو حتى لإعادة النظر فيه. ولا تبدو العديد من الأطراف على عجلة من أمرها لإنقاذ البلاد من المأزق ووضع حد للفوضى وانتشار السلاح، وغياب المرجعية القانونية العامة للمواطنين.
ويحسن بالمبعوث الجديد وهو صاحب دراية واسعة في المنازعات وفي الشؤون الدولية، أن يبدأ من حيث انتهى سلفه الألماني مارتن كوبلر، وأن يأخذ ملاحظات الفرقاء في الاعتبار، مع الإطلالة على مواقف دول الجوار: الجزائر ومصر وتونس، التي تتأثر بالأزمة الليبية، ويمكنها التأثير الإيجابي فيها. وبموازاة ذلك فإنه من الأهمية بمكان أن يدرك الفرقاء المتنازعون أن المبعوث الأممي ليس مجرد زائر أو مراقب، بل إنه يتمتع بتزكية دولية ويمثل أعلى هيئة في العالم، ومن شأن تقاريره أن تشكل مرجعاً يُعتدّ به لدى النظر في إمكانية إصدار قرارات عن مجلس الأمن تتعلق بالأزمة الليبية. وأن الباب لن يكون مفتوحاً لتسمية مبعوثين أمميين جدد إلى ما شاء الله. فالعالم لن ينتظر إلى الأبد، وبخاصة دول الجوار والإقليم، التي تدرك أن أزمة كالأزمة الليبية لها تداعيات خارج حدود ليبيا. وأن من الأفضل أن يستعين الليبيون بأشقائهم وجيرانهم من أجل إعادة البناء وإرساء الدولة الحديثة، وإطلاق مسار التنمية الشاملة، بدلاً من السعي الدائم وتبديد الجهد في إطفاء حرائق تشتعل في مكان جديد، ما إن تنطفئ في مكان آخر. وأنه من العبث أن يتم على الدوام البدء من نقطة الصفر مع كل مبعوث أممي جديد، أو مع كل توسط من الأشقاء أو الأصدقاء أو المعنيين وتجاهل الإنجازات التي تحققت وعدم البناء عليها، وخاصة في مجال بدء بناء المؤسسات الجامعة، ومكافحة الإرهاب (حيث تمكن الليبيون بجدارة من دحر تنظيم داعش الإرهابي).
ومجدداً فإن المبعوث سلامة يتمتع بسعة اطّلاع ومتابعة للتحولات السياسية التي شهدتها بلدان العالم، بما في ذلك عقب قيام ثورات أطاحت بأنظمة قائمة كالثورة الليبية على نظام القذافي في العام 2011، وبالوسع استلهام أفضل النماذج والتجارب الناجحة لإعادة بناء الدولة والجيش وضمان أوسع مشاركة اجتماعية، وذلك مرهون بتعاون الفرقاء واستعدادهم للتعاطي بإيجابية مع مقاربات موضوعية لحل الأزمة، وعدم إثارة مشكلات جانبية، أو الدفع نحو الإغراق في التفاصيل التي تستنزف الوقت والجهد وتحجب الهدف المركزي بإحلال السلام الذي طال انتظاره.

محمود الريماوي
mdrimawi@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى