ليبيا وجيل الأزمة
مفتاح شعيب
بدا المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، أمام مجلس الأمن، واثقاً من أن الجهود التي يقودها تحقق تقدماً، لكنه أبلغ وكالة الصحافة الفرنسية أن تضميد الجروح الليبية بسبب الفتنة الأهلية العميقة لن يتم في عام أو ثلاثة، بل سيتطلب جيلاً على الأقل، وهو ما يشكل اعترافاً جريئاً بأن الوضع صعب جداً، وأن مهمته ليست ميسرة بالنظر إلى كل الملابسات والمهددات.
في تصريحاته وتدخلاته، يركز سلامة على «دور المؤسسات» في المساعدة على إيجاد الحلول لإنهاء الأزمة الليبية، وهو يقصد بذلك بناء نظام ديمقراطي يقوم على انتخابات تشريعية ورئاسية، ويحدد مؤسسات الدولة ووظائفها. وهذا الأمر تم الخوض فيه منذ الإطاحة بالنظام السابق، فقد أجريت عام 2012 انتخابات كال لها الإعلام الغربي المديح بوصفها «معجزة»، بيد أنها كرست الفوضى في الواقع وفتتت البلاد بين الميليشيات والكتائب المسلحة، وقد فشلت كل محاولات الإنقاذ، وعينت الأمم المتحدة مبعوثين خاصين، وشكلت لجان وانعقدت مؤتمرات إقليمية ودولية، وكلها فشلت كلياً أو نسبياً في تحقيق الوحدة الوطنية وضبط الاستقرار. وهذه المرحلة الجديدة مع غسان سلامة لا تختلف عن سابقاتها، إلا إذا كانت هناك معطيات غير معلومة ستغير الوضع وتدفعه إلى الاتجاه الإيجابي.
لا شك أن أغلب المساعي الدولية، بما فيها جهود المبعوث الأممي، صادقة وتأمل في إحداث اختراق في الأزمة الليبية، ولكن الواقع لا يوفر التشجيعات. وحين يقول سلامة إن التئام الجراح سيتطلب جيلاً كاملاً، أي 30 عاماً من الآن، فهو صحيح، ذلك أن ما حدث من جرائم وإثارة للأحقاد وتدمير للبلاد ونسف للروابط الاجتماعية وإثارة للنعرات القبلية لن يتم تجاوزه بسهولة، فهناك تجاوزات وانتهاكات لم يكن متوقعاً أن تحدث بين أبناء من يفترض أنهم شعب واحد. ومثلما جرى في بادئ الأمر الانتقام والتنكيل بالمحسوبين على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، انقلب أولئك «الثوريون» على بعضهم وتقاتلوا في أكثر من ساحة، لتضاف ضغائن جديدة على المشهد. وما يجعل من المصالحة شبه مستحيلة، هو عدم وجود ثقة في مرجعية رسمية يمكن الاحتكام إليها لاستعادة الحقوق وتضميد الجراح الغائرة. وحين تغيب المصالحة وتنعدم قيم التسامح لا يمكن لأي نظام يجري التفكير فيه أن يستقر، حتى وإن تم فرضه فرضاً، بدليل التقارير العديدة التي تشير إلى فظائع تحدث بين المتصارعين، ومنها عمليات الإعدام الجماعي والتهجير والاغتصاب الجماعي.
المعضلة الليبية تحتوي في طياتها عديد الأزمات التي تحتاج إلى حلول تمهيداً للحل الأكبر. وربما لن تقدر الأمم المتحدة بمفردها على إنجاز هذا الاستحقاق، إذا لم تكن هناك تنازلات متبادلة من الفرقاء المحليين ومساعدات من الأطراف الإقليمية. وحين يتوفر هذا الشرط، فيمكن لغسان سلامة أن ينطلق في خطته كما هو مرسوم لها، ويفترض أن تبدأ الشهر المقبل بإجراء تعداد للناخبين استعداداً لمؤتمر وطني يجمع الأطراف الليبيين كافة حول مشروع مشترك لتنظيم انتخابات في فبراير/شباط المقبل، ويبدو منهج الخطة سليماً، إذ لا يمكن الحديث عن انتخابات وولادة مؤسسات إذا لم تكن هناك توافقات وتعهدات مبدئية. وفي الحالة الليبية سيكون المؤتمر الوطني ونتائجه، أنجع من الانتخابات في الواقع، وربما هذا ما سيحدث. ورغم أن الطريق طويلة، فمن المهم جداً أن تكون الانطلاقة صحيحة ولو استغرق الوصول جيلاً كاملاً.
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article