قضايا ودراسات

ليبيا ومهمة سلامة

مفتاح شعيب

اهتدت الأمم المتحدة، بعد رحلة بحث استمرت أربعة أشهر، إلى مبعوث دولي جديد إلى ليبيا، هو وزير الثقافة اللبناني الأسبق، غسان سلامة، خلفاً للألماني مارتن كوبلر الذي أنفق 20 شهراً على رأس البعثة، ولم يحقق شيئاً جوهرياً، بل أضاع «اتفاق الصخيرات» الذي ورثه عن سلفه الإسباني برناردينو ليون، ومازال يُعتبر الإنجاز الوحيد المحسوب للأمم المتحدة منذ بدء الأزمة الليبية.
قبل ليون فشل المبعوث الأسبق طارق متري، بعدما انهارت مهمته وسط الاحتراب والفوضى وتعاظم قوة الميليشيات وتفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وأصبحت البلاد منقسمة إلى شرق وغرب، ومتشظية إلى سلطات وحكومات متناثرة داخل المنطقة الواحدة، ومع ذلك لم تيأس الأمم المتحدة مدعومة من بعض الصادقين في المجتمع الدولي.
ومن الانتقادات الموجهة إلى بعثة متري أنه قلل من شأن التطورات الميدانية، وخاض جدالاً واسعاً مع الفرقاء حول شكل الحكم وطبيعة النظام المفترض وحقوق الأقليات ومقاربة الفيدرالية، بينما كانت البلاد تنزلق إلى الخطر الأكبر، وهو ما انتهى إلى انتشار الجماعات الإرهابية، وحينها ظهر إلى الوجود الجيش الوطني بقيادة اللواء خليفة حفتر آنذاك، ومع هذا التطور أصبح المطلوب أكبر مما هو واقع، لتنتهي المهمة الأممية الأولى عند هذه النقطة.
صحيح أن بعثة متري لم تكن ناجحة، ولكنها لم تكن أسوأ من مهمتي ليون وكوبلر، وربما تلقى مهمة غسان سلامة المصير نفسه، إلّا إذا تغيرت آليات العمل بوفاء البعثة لمهمتها، وهي تسريع الخطى نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، ووضع استراتيجيات فعلية تعالج أزمات البلد. ومن دون المفاضلة بين المهمات الأممية، فإن عدم تحقق هذه الأهداف يجعل من المبعوثين الدوليين سواسية في الفشل، وربما يكون رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض، الذي منع فيتو أمريكي تعيينه في المنصب خلفاً لكوبلر، قد نجا من التورط في مهمة غير مضمونة النتائج، بسبب عراقيل كثيرة بعضها من داخل ليبيا وأغلبها من خارجها.
كل الأمل معقود على مهمة الأمم المتحدة الجديدة بقيادة غسان سلامة، بأن يحالفها الحظ وتنجح في إنقاذ ليبيا من الوضع المأساوي الذي غرقت فيه. ومن عوامل نجاح المهمة أن يلتقي جميع الأطراف الفاعلة على ضرورة الحل السياسي الضامن لوحدة ليبيا وسيادتها، وحقوق جوارها في الأمن والسلام. ورغم ما تحقق من إنجازات محمودة في مواجهة الجماعات الإرهابية، إلّا أن الخطر مازال كامناً بين طيات المشهد الليبي، ويتطلب مزيداً من الجدية والالتزام. ومثلما يتأكد من المعطيات كافة، سيظل الحل السياسي هو المدخل الرئيسي لمكافحة الإرهاب، مع الأخذ في الحسبان ضرورة رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، وهو الذي شن عمليات كبيرة وتوفق في تطهير مناطق واسعة أثارت الارتياح بين الليبيين وزادت من شعبيته.
إذا كان هناك حرص دولي على إنقاذ ليبيا، فيجب على مهمة سلامة أن تكون خاتمة المهمات حتى تستعيد تلك البلاد عافيتها وتسترجع مكانتها في محيطها العربي والإفريقي، فالشعب الليبي يستحق أن يتخلص من الكابوس الذي لازمه أكثر من ست سنوات، وإذا كان لابد من التفاؤل، فالمهمة سنتجح عندما تتوفر لها الشروط الضامنة والإرادة السياسية الحقيقية لطي الصفحة وبدء عهد ليبي جديد.
chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى