قضايا ودراسات

ماذا بعد انتصار إضراب «الحرية والكرامة»؟

عوني فرسخ

حين أعلن ألف وخمسمئة أسير في سجون ومعتقلات الضفة الغربية المحتلة إضرابهم عن الطعام تحت شعار «الحرية والكرامة»، مطالبين بحقوقهم كأسرى وفق المعايير الدولية لم يكن أحد منهم يجهل أنه إنما بدأ صراع إرادات مع النظام العنصري الصهيوني المعروف تاريخياً باستهانته بالقوانين والأعراف الدولية وله من رعاته على جانبي الأطلسي قوة دولية حامية طالما حالت دون مساءلة صناع قراره عن عدم التزامهم بالقوانين والأعراف الدولية.
وإن لم يحقق إضراب «الحرية والكرامة» بعد كامل حقوق أسرى الكفاح الفلسطيني المعترف لهم بها في العرف الدولي، إلا أن ما حققوه قبل إعلانهم وقف إضرابهم، وليس فكه، باعتبار أن المطالب الأحد عشر التي انتزعها الأسرى من إدارة السجون «الإسرائيلية» إنما انتزعت من إدارة هي الأشد عنصرية في الزمن الراهن، ولطالما قورنت إجراءاتها القمعية بما عرف به النظام النازي، ونظراً لتمييزها المعتمد ضد المواطنين العرب في الضفة والأرض المحتلة سنة 1948 بأنه تجاوز نظام التمييز العنصري «الابرتايد» الذي كان قائما في جنوبي إفريقيا. إذ لم تقترف حكومة البيض جريمة التطهير العرقي بحق المواطنين الأفارقة وطردهم من أرض آبائهم وأجدادهم، ولا هي هدمت بيوت المقاومين، أو اقتلعت أشجارهم المثمرة، كما فعلت ولا تزال حكومة «إسرائيل». ما فيه الدلالة على أن انتصار أسرى «الحرية والكرامة» وإن كان محدوداً انتصار بحق، وهو انتصار ما كان ليتحقق لولا صمود الأسرى في إضرابهم عن الطعام بمن في ذلك المرضى منهم، وفشل المحاولات «الإسرائيلية» المتوالية لشق صفهم بالسعي الدؤوب لاستغلال التناقضات الثانوية فيما بين قيادات الفصائل الفلسطينية، وحفاظهم على الوحدة الوطنية المؤسسة على مقاومة الاحتلال التي تحققت في السجون. ما يعني أن إرادة الأسرى صاحبة الدور الأول في انتزاع بعض حقوقهم من براثن النظام العنصري.
لم يحقق هذا الإنجاز سوى تواصل وتطوير صمود أسرى الحرية والكرامة في مواجهة النظام «الإسرائيلي» وأجهزته وممارساتها العنصرية، وتواصل فعاليات القوى الشعبية المؤيدة والداعمة لإضراب الحرية والكرامة على الأصعدة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والدولية التي ناصرت قضية الأسرى. باعتبار ذلك ليس مطلوباً فقط لتحقيق باقي مطالبهم المشروعة في القانون والأعراف الدولية، وإنما أيضا لتوفير آلية طرح قضية الأسرى في المحافل الدولية.
وهل كان إضراب الحرية والكرامة أنجز ما حققه، وبات مرشحاً لاستكمال تحقيق بقية مطالبهم لولا ما استجد في الصراع العربي – الصهيوني من تراجع لفعالية وأهمية الكيان الصهيوني، وتنامي دور وفعالية قوى الممانعة والتصدي العربية. وما صدر عن نتنياهو غداة إعلان إضراب الحرية والكرامة يؤشر إلى أنه، بحكم عنصريته، لم تعد «إسرائيل» رصيداً استراتيجياً لرعاتها على جانبي الأطلسي بقدر ما غدت عبئاً تاريخياً عليهم، كما يتضح مما يبديه العديد من الساسة الأمريكان والأوروبيين من اهتمام ملحوظ بأمن «إسرائيل» وتعزيز قدراتها في مواجهة مستجدات الواقع العربي والإقليمي والدولي. والذي لا يأخذه بالحسبان نتنياهو، وكثيرون غيره صهاينة وغير صهاينة، إن نتنياهو وأجهزة نظامه ما كانوا لينزلوا على إرادة أسرى الحرية والكرامة لولا التحول في واقع ومكانة «إسرائيل»، وإنها لم يعد لها كثيرون في المجتمع الدولي من يحولون دون مساءلة صناع قرارها عن عدم التزامهم بالقوانين والقرارات والأعراف الدولية، وأن الذين لما يزالوا على تواطئهم مع العدوان الصهيوني على الحقوق العربية المشروعة تراجعت فعاليتهم، مقابل صعود قوى دولية تستفزها العدوانية الصهيونية.
والسؤال الذي يستدعيه انتصار الأسرى هل في الواقع العربي العام، والفلسطيني منه الخاص، مسؤول يمكنه ولديه الاستعداد لطرح قضية الأسرى على المنظمات الإنسانية والمحافل الدولية. وهذا هو التحدي الذي يواجهه الملتزمون بالثوابت الوطنية والقومية في الصراع التاريخي.

admin@afcocpa.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى