قضايا ودراسات

مازال القصف مستمراً

سلطان حميد الجسمي
لم يبقَ من الشعب السوري غيرُ بقايا شعب، كان من أرقى الشعوب تعلماً وطموحاً وأحلاماً، كان شعباً مكافحاً كادحاً مثقفاً، واليوم أصبح هزيلاً ضعيفاً، الجهل يطارده، والفقر يحضنه، والمرض يلازمه، وتتسارع عقارب الساعة لتزيده ضعفاً، وتأخذ المسار إلى جعل سوريا مستودعاً كبيراً للإرهاب في العالم. وبالفعل أصبحت تصدر الإرهاب اليوم للعالم عن طريق التنظيمات الإرهابية، كما أصبحت مقراً لجيوش دول أجنبية مثل إيران وتركيا وروسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وحاضنة للمنظمات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» وغيرهما، ووكراً للاستخبارات والإرهابيين، ومن جهة أخرى، فإن تركيا تلاحق الأكراد وتزيد من توتر الحرب في سوريا.
مازال القصف مستمراً من قبل النظام السوري بمختلف أنواع الأسلحة في المناطق المنكوبة ضد المدنيين العزل، بعيداً عن مراعاة الإنسانية في شهر رمضان المبارك، والأطراف المشاركة في الحرب لا يهمها شيء سوى عقود المقاولة التي أبرمتها مع قوى الشر العالمية، والثمن المدفوع هو دماء الشعب السوري.
ومازال القمع والاضطهاد مستمراً على الشعب السوري، في ظل اختبار الجيش الروسي لأسلحته من القواعد الروسية القائمة على الأراضي السورية، مبررين ذلك بأنهم يعززون من قدرات جيش النظام السوري.
في بداية النزاع كانت هذه القوى تشارك في المعارك بشكل مستتر خلف الظلام، واليوم إيران وروسيا وغيرهما من الدول تشارك في هذه الحرب، كما تشارك فيها المنظمات الإرهابية بشكل علني ورسمي، وتتباهى في قصف وقتل أطفال ونساء أبرياء ومدنيين عزل تماماً من السلاح.
موسكو تنشر معلومات عن قتل زعيم تنظيم «داعش» أبوبكر البغدادي لتغطي إعلامياً على أهدافها الحقيقية، وهي حماية النظام السوري بأي ثمن وتأجيج الحرب في سوريا وتحقيق مصالحها الإقليمية، وتظهر للعالم أنها تحارب تنظيم «داعش» في سوريا، ومن جهة أخرى تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بأنها تنشر صواريخ في قاعدة التنف الحدودية مع الأردن.
جميع المؤشرات في سوريا لا تطمئن ولا تبشر بعملية سلام أو وقف لإطلاق النار، ولم تصل المباحثات في جنيف إلى مرادها في حل الأزمة أو حتى في جمع الأطراف المشاركة في الحرب على طاولة واحدة، والاتفاق على أهداف من شأنها أن تكون أملاً للشعب السوري في تحقيق السلام وإعادة الوحدة.
الأبواب مقفلة تماماً أمام المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، الذي يسعى إلى حل الأزمة في سوريا، وباءت كل محاولاته بالفشل في توحيد القرارات والمحادثات بين الأطراف المشاركة في الحرب السورية، حيث أعلن مكتبه عن جولة جديدة بين الأطراف في العاشر من يوليو المقبل في جنيف وهي الجولة السابعة.
هرب تنظيم «داعش» من العراق مخلفاً دماراً إنسانياً وفكرياً وراءه، بعد أن ارتكب أبشع الجرائم والمجازر وانتهاك لحقوق الإنسان، ولم يجد غير سوريا ليكون مقره الجديد بجيشه المرتزق وقادته الإرهابيين، وعلى الرغم من المصالح المشتركة بينه وبين قوى الشر الأخرى من التنظيمات الإرهابية، فإنهم على خلاف كبير حول من يسيطر على سوريا.
المستفيدان الأكبران من تأجيج هذه الحرب هما قوى الشر العالمية، ومنظمة «داعش» الإرهابية، حيث يمارس التنظيم ومنذ هروبه من العراق أبشع أنواع القتل والاضطهاد والتهجير للسوريين، بهدف التوسع والسيطرة على مناطق أكثر.
أكثر من 15 مليون سوري ضحايا هذه الحرب، بين قتلى وجرحى ومفقودين ومشردين ونازحين، ومهجرين ولاجئين ودمار شامل في البنية التحتية والمرافق الحيوية، والمدارس والمستشفيات، وانهيار كامل لاقتصاد الدولة، والمعروف أن البناء يستغرق وقتاً طويلاً، والهدم يكون سريعاً.
تشتكي اليوم منظمات الأمم المتحدة للطفولة والغذاء من فقر تمويلها لبرامجها للنازحين داخل الأراضي السورية واللاجئين خارجها، وفي تصريحات لمسؤوليها تقول إنها سوف تتوقف في المرحلة القادمة عن تقديم المساعدات بسبب توقف تمويلها.
الحل لإنهاء الأزمة السياسية والدبلوماسية في سوريا هو على طاولة المفاوضات في جنيف، لكن الأمر يحتاج إلى جدية من الأطراف المشاركة في الحرب لإنهائها، وتقديم التنازلات لحقن الدماء السورية.

sultan.aljasmi@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى