قضايا ودراسات

ماكرون و«الجمهورية السادسة»

مفتاح شعيب
يبدو الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون وكأنه «مبعوث العناية الإلهية» لدى مناصريه، فهذا الرجل ربما سيدخل التاريخ اليوم إلى جانب زعماء فرنسا الكبار إذا صدقت التوقعات وتصدر حزبه «الجمهورية إلى الأمام» الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية. فتحقيق هذه النتيجة يعني أن فرنسا تغيرت بالفعل وخرجت من جلابيب الأحزاب التقليدية التي ظلت تحكمها لستين عاماً.
هناك مؤشرات جدية على تغيير كبير في المشهد السياسي الفرنسي، بدا بعضها في مخاوف أحزاب اليمين واليسار من انهيار شعبيتها بما سيؤكد لها أن إخفاق مرشحيها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة جاء بسبب تبرم الناخب الفرنسي من هذه الأحزاب وفسادها وعدم مصداقيتها في التعبير عن شواغل الرأي العام. أما ماكرون، الذي أكدت نوايا التصويت مبكراً فوزه بالانتخابات الرئاسية، فقد أصبح أمل أغلبية من الفرنسيين بسبب خطابه البسيط والقريب من نبض مواطنيه، وهو ما ساعده على بناء سمعة سياسية ستمكنه من ترسيخ نهجه ورؤيته. وحين تشير استطلاعات الرأي بشأن نوايا التصويت إلى أن حزب ماكرون يتقدم بنسبة 30 بالمئة ويقبع حزب «الجمهوريون» اليميني بعده بنسبة 20 بالمئة من الأصوات وحزب «الجبهة الوطنية» المتطرف مع 18 بالمئة، يتأكد لديه أنه في طريق النجاح والتألق. وبما أن هامش الخطأ في الاستطلاعات الفرنسية ليس كبيراً، فإن هذه النسب تعكس جانباً من الواقع، وهو أن حزب «الجمهورية إلى الأمام» سيكون في وضع مريح في هذه الجولة وسيكسب الجولة الثانية في صدارة كتل الجمعية الوطنية، ليبدأ فعلياً عهد ماكرون الذي تسلم السلطة من فرنسوا هولاند قبل شهر من الآن.
الفوز بالانتخابات الرئاسية ثم التشريعية يؤكد أن الأفكار التي تطرحها هذه النخبة الفرنسية الشابة بقيادة ماكرون (39 عاماً) جديرة بالاهتمام، فكل المؤشرات تؤكد أنها ستكون البديل للأحزاب القديمة التي ستندثر تدريجياً أو تذوب في أحزاب جديدة. وأغلب الظن أنه بعد هذه الانتخابات سيشهد الحزبان الرئيسيان «الاشتراكي» اليساري و«الجمهوريون» اليميني، اللذين تداولا السلطة طوال العقود الستة للجمهورية الخامسة، انقسامات وتصدعات وسيذهب عدد كبير من الشخصيات فيهما إلى الحزب الجديد، كما أن التغيرات الجذرية ستشمل أحزاباً أخرى وستلقي بتداعيات سريعة في الفضاء الأوروبي الذي يشهد فترة مخاض عسيرة وتزاحماً في الرؤى والتوجهات.
إذا تصدع الحزبان الرئيسيان في فرنسا وأصبحا هامشيين فستطوى حقبة من تاريخ فرنسا، وربما سيقود ماكرون الجمهورية السادسة، وإن بشكل غير معلن، بالنظر إلى التجديد في طبيعة النظام وعقيدته وليس في توجه الدولة الفرنسية. ومن الواضح أن الحكم على التغيير سيتطلب فترة تجريب لا تقل عن ولاية رئاسية، على الرغم من أن كل المؤشرات توحي بأن مجيء ماكرون قد أنقذ فرنسا من السقوط في براثن اليمين المتطرف، كما كان متنفساً لأوروبا التي كانت تخشى على استمرارها موحدة.
إذا صدقت توقعات الانتخابات التشريعية الفرنسية في جولتيها، فليست فرنسا وحدها التي ستتغير، وإنما أوروبا التي ستعمل على إعادة ترتيب أوضاعها وإنقاذ اتحادها من الانهيار. فبعد فوز ماكرون بالانتخابات الرئاسية تراجعت الأصوات المدمرة للاتحاد الأوروبي ومنيت بانتكاسة كبيرة، وأقرب الأدلة على هذا نتيجة الانتخابات المبكرة البريطانية التي مني فيها دعاة الخروج بخسارة سياسية كبيرة ربما ستتحول لاحقاً إلى تراجع رسمي عن خطوة يبدو أنها متسرعة وغير مدروسة.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى