مقالات سياسية

ماكرون والعقدة الجزائريّة

رندة تقي الدين

تكتسب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر، الخميس، ولمدة ثلاثة أيام، أهمية بالغة، كونها تلبية لدعوة من الرئيس عبد المجيد تبون ورغبة من ماكرون في ترميم الشروخ في العلاقات الفرنسية – الجزائرية. ومعروف أن ذاكرة تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر لمدة 130 سنة بقيت المحدد الدائم والمستمر للنظرة الجزائرية إلى السياسة الفرنسية في معظم عهود الرؤساء الفرنسيين.

وهناك أزمة ثقة جزائرية منذ عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران الذي كان يرى خلال حرب النظام الجزائري ضد “جبهة الإنقاذ الإسلامية” في البلد، أن من الخطأ منع الجبهة من المشاركة في الانتخابات. وفي عهد الرئيس الراحل جاك شيراك، عندما زار نظيره الجزائري عبد العزيز بو تفليقة ونزلا معاً إلى باب الواد، الحي المدمر نتيجة الهزة الأرضية، كانت الهتافات الجزائرية ترحّب بشيراك مع صرخات مطالبة بتأشيرات إلى فرنسا.

العلاقة الجزائرية الفرنسية تتّسم بالحب والكراهية بسبب التاريخ. فالثقافة والعادات والمأكولات والإعلام في فرنسا كثيراً ما تجذب المواطن والشباب الجزائري، فيما انعدام ثقة النظام العسكري الجزائري بالسياسيين الفرنسيين هو عنوان معظم المراحل من العلاقة الفرنسية – الجزائرية، وعهد ماكرون الأول والثاني ليسا استثناءً. فقد سبق لماكرون أن شكك يوماً أمام مجموعة من الشباب من أصل جزائري في 2021 بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وتساءل عن استغلال النظام الجزائري لمسألة الذاكرة. وقامت القيامة من الجانب الجزائري حينئذ، وتدهورت العلاقة بين باريس والجزائر واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا ليعود لاحقاً.

وكان ماكرون قد طلب من المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا تقريراً يتعلق بمصالحة الذاكرة بين البلدين. انتقدت الجزائر هذا التقرير كونه لم يتخذ موقفاً لتقديم اعتذارات فرنسية عن ماضيها الاستعماري، فيما ستورا دافع عن أسلوب يفضل تعليم الآخر ومعرفته.

المطلب الرئيسي للجزائريين هو اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار. وفي فرنسا انتقدت لجنة الاتصال الوطنية للحركيين الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب الاستقلال تقرير ستورا، وطلبت من الدولة الفرنسية الاعتراف بمسؤوليتها وخطئها عند نزع سلاح الحركيين والتخلي عنهم وتعرضهم لمجزرة بعد اتفاقيات إيفيان في 1962. وسبق لتبون أن دعا إلى معالجة منصفة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء من المصارحة والثقة. ومطالبة الجانب الجزائري بالاعتذار الفرنسي مستمرة في ظل جميع العهود الفرنسية.

في 2021 قرر ماكرون خفض عدد التأشيرات الفرنسية للجزائريين والمغاربة والتوانسة، ما أثار غضب الجزائريين، فقضية الهجرة والتأشيرات كانت دائماً سبب خلاف بين فرنسا والجزائر. يجيب الدبلوماسي الفرنسي جان موريس ريبير لمجلة “إكسبرس” عن سبب عدم التوصل إلى اتفاق بين الجزائر وفرنسا حول الذاكرة بأن ذلك “بالغ الصعوبة، لأنه مرتبط بحوادث لا تزال في صميم جسد الجزائريين والفرنسيين، وبأن الحرب القذرة أدت إلى نهاية استعمار بالغ القساوة مع مئات الآلاف من القتلى الجزائريين، نصفهم من المدنيين، وملايين المعتقلين وآلاف الجرحى والذين تعرضوا للتعذيب، وفي باريس مجازر 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1961 تشهد على رفض السلطة الفرنسية لأي تفنيد للحرب”.

يخصص الإعلام الجزائري لزيارة ماكرون مقالات عديدة حول المواضيع التي سيتطرق إليها، وأبرزها ملف الطاقة مع زيادة تدفق الغاز الجزائري إلى أوروبا لتعويض الغاز الروسي الذي يتم تقليصه بسبب غزو روسيا لأوكرانيا. وزار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل أشهر الجزائر ليطلب منها ألا تزيد صادراتها من الغاز إلى أوروبا. وروسيا حليف كبير للجزائر، خصوصاً على الصعيد العسكري. وقد يتم التطرق إلى ملف أزمة مالي والانسحاب الفرنسي منه والوضعين الليبي والتونسي. كما أنه ليس من المستبعد أن يتطرق الرئيس الفرنسي إلى العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، علماً أن العلاقات بين ماكرون وملك المغرب محمد السادس اتسمت أخيراً ببعض الابتعاد بعد قضية الاشتباه بتجسس فريق من المخابرات المغربية على هواتف الرئيس الفرنسي عبر نظام بيغاسوس للتجسس.

زيارة ماكرون يوم الخميس للجزائر ستكون الأولى لدولة مغربية في عهده الثاني، فيما زيارة المغرب كانت الأولى في عهده الأول.

نقلا عن النهار

زر الذهاب إلى الأعلى