قضايا ودراسات

ماكرون ومهمة إنقاذ الاتحاد الأوروبي

ديانا جونستون
النخبة الرأسمالية الفرنسية التي رعت صعود إيمانويل ماكرون الصاروخي إلى السلطة، تدرك تماماً أن الاتحاد الأوروبي يواجه متاعب خطرة. وقد اختاروا ماكرون من أجل إنقاذه.
إن نجاح أو فشل ماكرون في هذه المهمة مرهون بما إذا كان سيستطيع إقناع بقية الاتحاد الأوروبي، خصوصاً ألمانيا، بالعمل لإنقاذه.
والاتحاد الأوروبي يواجه مأزقاً سياسياً خطراً، لأن النخبة تحبه، بينما الشعب لا يحبه. وقد وجد استطلاع لمعهد تشاتام هاوس للشؤون الدولية ( البريطاني ) أن هناك «نقمة تغلي ببطء» على الاتحاد الأوروبي بين الأوروبيين العاديين. وأكثر من 70 % من صانعي القرار والمؤثرين في الرأي العام – من سياسيين بارزين، وصحفيين، ورؤساء شركات كبرى، ومنظمات مجتمع مدني نافذة – يدعمون الاندماج الأوروبي باعتباره مفيداً للأوروبيين، في حين أن 34 % فقط من المواطنين العاديين يؤيدون هذا الاندماج. وفي ما يتعلق بالهجرة، يرى 57 % من النخبة أنها جيدة لبلدانهم، مقابل 34 % فقط من بقية السكان. وباختصار، «صناع القرار والمؤثرون في الرأي العام» راضون عن القرارات التي يتخذونها وعن المواقف التي يدافعون عنها، في حين أن أكثرية الشعب غير مقتنعين بذلك.
وهذا بالكاد يثير الدهشة، لأنه على مدى أكثر من نصف قرن كانت النخب «التي تعرف ما هو الأفضل لمصلحة الشعب» تفرض الاندماج الأوروبي فرضاً، في حين كانت حملات دعائية مكثفة تبرر قرارات كبرى ملزمة اتخذت من دون أي تشاور مع الشعب (أو عندما كان يتم التشاور مع الشعب، فإن آراءه كانت تبقى موضع تجاهل). والإجراءات الديمقراطية في دول أعضاء كانت تبطلها محكمة عدل أوروبية غير منتخبة حكمت بأن قوانين الاتحاد الأوروبي تعلو فوق القوانين الوطنية. والأغلبية العظمى من الأوروبيين لم تكن تعي حتى أن ديمقراطيتها أصبحت هامشية. وأصبحت «أوروبا» تعني الهرب من ماض سيء والتعلق بوعد مستقبل مزدهر ورائع. ورأت النخب أن «أوروبا» الحقيقية ترتكز على مبدأين: «حرية الحركة» لكل شيء والاحترام الكامل ل «التنافس». واعتبرت النخب أن هذين المبدأين هما قمة القيم الأوروبية، ومنحت ببساطة كل السلطة إلى الرأسمال المالي الدولي.
وعلى مدى زمن طويل، كانت النخب تتعامل بنجاح مع الاستياء الشعبي. ولكن المصاعب الاقتصادية أصبحت تهدد الآن مجمل البنيان الأوروبي. وبدلاً من النمو الاقتصادي، تسببت العملة الأوروبية «اليورو» بركود اقتصادي. والثروة أصبحت تتركز بأيدي أقلية صغيرة، بينما مداخيل بقية الشعب تتناقص. وأصبح الاتحاد الأوروبي يجد نفسه الآن على شفير هاوية.
وهكذا شهدنا أن مركز فرنسا في الاتحاد الأوروبي المهتز كان القضية الكبرى في انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة. وقد تبنى اثنان من أبرز المرشحين، وهما مارين لوبان وجان لوك ميلانشون، فكرة الانسحاب من نظام العملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، وحتى من الاتحاد الأوروبي ذاته. ولكن أياً منهما لم ينجح في عرض قضيته بصورة مقنعة على الرأي العام. وفي غياب أي بديل واضح لعضوية الاتحاد الأوروبي، امتنع كثير من الناخبين الفرنسيين عن الإدلاء بأصواتهم. وهذا ضمن فوز ماكرون بالرئاسة.
ونتيجة لذلك، فاز الاتحاد الأوروبي في الانتخابات الفرنسية ممثلاً بإيمانويل ماكرون. ومهمة ماكرون الآن هي إعادة جمع الشعب الفرنسي والاتحاد الأوروبي – من خلال إقناع كليهما بأن يفعلا ما لا يريدان فعله.
وفي مقابلة أجراها ماكرون يوم 21 يونيو/ حزيران مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية وسبع صحف أوروبية رئيسية، عرض «استراتيجية الإنقاذ» التي يعتمدها. والأساس في هذه الاستراتيجية هو كلمة «الحماية». والفكرة هي أن الشعب يمكنه أن يدين بالولاء لمؤسسات تحميه. ولكن الشعب لا يشعر أن الاتحاد الأوروبي يحميه.
ولاحظ ماكرون أنه «في كل مجتمعاتنا الأوروبية، بدأت الطبقات الوسطى تعبر عن شكوك، كما عبرت عن شعور بأن أوروبا الموحدة بنيت رغماً عن إرادتهم». وقال ماكرون إنه لهذا السبب، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يوفر الأمن الوطني والأمن الاقتصادي من أجل طمأنة المواطنين واستعادة دعمهم.

* كاتبة سياسية أمريكية مقرها في باريس وتركز أساساً على السياسات الأوروبية – موقع «كاونتر بانش»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى