قضايا ودراسات

ماكرون يُثبّت عهده

مفتاح شعيب
حقق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنجازاً يكاد يتجاوز سقف فوزه برئاسة البلاد، عندما تمكنت حركته الفتية «الجمهورية إلى الأمام» من تحقيق الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية وتمكنت مع حليفتها «الحركة الديموقراطية» من الاحتفاظ بنحو 350 من أصل 577 هي عدد المقاعد النيابية، بما سيمكن الرئيس من مباشرة مشروعه الإصلاحي بأريحية كبيرة، من دون أن يغفل الامتناع القياسي عن التصويت الذي جرى في جولة الحسم.
الرئيس الشاب ماكرون حديث العهد بالحياة والعمل السياسي، ومع ذلك فقد بنى لنفسه زعامة كبيرة في أشهر معدودات، واستطاع أن يفرض نفسه رقماً صعباً بين قادة أوروبا الذين زالت عنهم المخاوف من التيارات الشعبوية والقوى اليمينية بعد انتخابه. وبعد الزلزال الذي حدثت ارتداداته على محطات الانتخابات الرئاسية والتشريعية، يمكن القول إن ماكرون قد ثبت عهده واستفاد في بناء نجاحه من الخور الذي أصاب النخب المسيطرة على الحكم لعقود، ومن خشية الرأي العام من المستقبل، ومن التقلبات الدولية الكثيرة والأزمات والتحديات المستجدة في أكثر من مجال. كما يمكن القول أيضاً إن الرأي العام الوسطي والمعتدل والرافض للأيديولوجيات هو الغالب في فرنسا.
وهذه العوامل وغيرها تضافرت من أجل أن يصبح ماكرون رئيساً لدولة مازالت ترى نفسها قوة عظمى وقادرة على التأثير والإصلاح في الفضاءات الدولية المختلفة. وأول الاختبار سيكون في الاتحاد الأوروبي، فبعد التجارب الانتخابية المختلفة في فرنسا وهولندا وحتى في بريطانيا، تبين أن المناصرين للبقاء ضمن الاتحاد ورفض سياسيات الانعزال والعنصرية هم الأغلبية، وهم الذين وراء ما تحقق في فرنسا وما سيتحقق حتما في ألمانيا بعد ثلاثة أشهر، وهم أيضا الذين أنتجوا بمواقفهم وأصواتهم حكومة بريطانية ضعيفة ستفاوض على «البريكست»، وربما تفشل في نهاية المطاف، ولن يحصل شيء من مخطط الانفصال.
بالعودة إلى فرنسا، لن تثبت نتائج صناديق الاقتراع إلا بعد أن تصبح الشعارات والتعهدات واقعاً عملياً من خلال تطبيق البرامج المعلنة، سواء بالنسبة إلى فرنسا أو أوروبا، ومثل هذا الأمر سيتطلب سنوات، وهو ما سيتحقق على الأرجح، وبضمانات عديدة، منها أن انتخاب ماكرون رئيساً للجمهورية الفرنسية لم يكن مفاجأة، بل كان شبه مؤكد قبل الاقتراع، كما أن فوز حركته بالأغلبية المطلقة كان متوقعاً بدرجة عالية، وهذا يدل على أن الرغبة في التغيير ليست خيار فرد أو جماعة، بل هي حالة شعبية تتجاوز أطر الأحزاب والحركات السياسية.
أما أكبر الضمانات فتتمثل في العدد القياسي من السيدات والشباب الذين تم انتخابهم في الجمعية الوطنية. ويفترض أن تعبر هذه الشريحة عن تطلعات مختلفة عن تلك التي تداولها نواب النخب السابقة، وربما ستمثل نقطة فصل بين ما سيأتي وما تقدم. فحزب مثل الحزب الاشتراكي الذي كان قبل أقل من شهرين في السلطة برئاسة فرانسوا هولاند ومعه 284 نائباً في الجمعية الوطنية، أصبح الآن أقلية بنحو 29 مقعداً، وهو ما سيضعه أمام أزمة وجودية خطيرة قد تنتهي باندثاره، والشيء نفسه ينطبق بتفاوت على الأحزاب الأخرى. أما مشروع ماكرون فأصبح في طريق مفتوح، وصعب في ذات الوقت.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى