ما ورائيات النظرة التجزيئية
عبد اللطيف الزبيدي
من المسلّمات اليقينية، أنه ليس من مصلحة العالم غير العربيّ أن تتقدم المنطقة العربية. جنة النعيم في نظرهم هي أن تظل بلاد العرب ممزقة ومتخلفة، لا تملك مفاتيح التقدم: التعليم الرفيع والبحث العلميّ والمعرفة العلمية وإنتاج العلوم. الباقي متوافر: الطاقة البشرية والثروات. المفقود أيضاً كثير، وهو ما يعوّل عليه الطامعون: انعدام الإرادة والقرار السياسيّ، الهوة الهاوية بين القمة والقاعدة، غياب الوعي العام الذي يورث الانخداع بالفتن، والقائمة طويلة.
نبدأ بالمفقود: أخطر مزالق الأنظمة هو ألا تثق بها شعوبها.«ميكاب» الإعلام لا يساوي قطميراً بمرور الزمن، ولا يضمن الاستقرار، بالتالي غياب القرار التنموي يعني عمل الأنظمة ضد بقائها، بتعميق الهوة وفتح الأبواب للتدخل الخارجيّ، وزرع الانشقاقات في تربة السيادة.
المفاتيح: التنمية لا تتجزّأ، لأنها كلٌّ متكامل. هل يستطيع معمار عاقل أن يجعل الأساس من الصخر والإسمنت المسلح، ويقيم عليه عشرين طابقاً من الطوب؟ العكس أسوأ. ما جدوى العناية بالأغصان وتلميع الأوراق، مع ترك الجذور والجذع بلا تغذية وتعهد؟ حياة البلدان والشعوب لا يمكن تقسيمها إلى أرخبيل جزر، ينهض بعضها ويهمل البعض الآخر. كذلك ميادين الحياة العامة. لكي تكون التنمية شاملة، يجب البناء من الأساس. أليس عجيباً ومريباً أن تكون أغلبية بلدان العالم العربيّ قد فاتتها هذه الأمور التي يشبه طرحها الحديث إلى الصغار؟ ما هذا الدماغ العجيب الذي يظل قرناً، بل أكثر متخبطاً في الألف والباء، فيحتاج إلى ثلاثة عشر قرناً ليصل إلى الياء؟ لا يزال يتعثر في محو الأمية، فمتى يفتح الله على المناهج فتتطور وتواكب العصر، فتنجب البحث العلميّ، فتتجلى المعرفة العلمية مشرقة على العرب، فيطرقون أبواب العصر؟ سنغافورة على صغرها (719 كم مربع)، هي في قمة العالم تعليمياً،وجامعاتها متطورة، والبحث العلميّ غزير، ورابع مركز ماليّ في العالم، ولها مفكرون إذا قالوا فكراً أصبح العالم منشداً. الطريق واضح، لكن العقل العربيّ لا يأمر بالمسير. قبل ثلاثة أرباع القرن كانت بلدان عربية عدّة أفضل حالاً من الشرق الأقصى بكامله.
النظرة التجزيئية هي التي جزأت العالم العربيّ أولًا، ثم جزأت الشعوب. المأساة المهزلة، هي أنه لا يوجد سبيل آخر نحو الغاية المنشودة، جماعات أو فرادى. لا قدرة لأي بلد عربيّ على القول: «أنا أولا». قدر العرب هو أن العالم ينظر إليهم ككل، ويرى خريطتهم واحدة، ولا يستثني في سوء المعاملة أحدا.
لزوم ما يلزم: النتيجة الخلاصية: ثبت أن النظرة التجزيئية فشلت، فلماذا لا يجرّب العرب النظرة التركيبية؟
abuzzabaed@gmail.com