مبادئ زعيمة ميانمار سراب يحسبه الظمآن ماء

عمر عليمات
«جبل جليد ضخم من التضليل»، هكذا وصفت زعيمة ميانمار أونج سان سو كي، ردود الفعل المنددة بما يحدث في بلادها، من إبادة عرقية شهدت بها حتى صور الأقمار الصناعية التي أظهرت مدى الدمار الذي لحق بقرى مسلمي الروهينجا، فهل هذا تضليل وتحوير للحقائق أم أن جبل التضليل أعمى سان سو كي؟! فلم تر ما يحدث في بلادها من تطهير عرقي يندى له جبين كل إنسان يؤمن بحق البشر في العيش والحياة.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن مسلمي الروهينجا فمأساتهم معروفة وما تتناقله وسائل الإعلام يظهر مدى بشاعة الموقف والحقد الدفين الذي يمارس ضدهم، بل قضيتنا هي المبادئ التي تصبح سراباً يحسبه الظمآن ماء، فكيف لشخصية مثل أونج سان سو كي أن تصمت في الوقت الذي يُقتل فيه بشر ويشردون ويحرقون فقط لأنهم مسلمون، وكيف لها أن تقنعنا بأنها خاضت نضالاً مريراً لما يزيد على 20 عاماً ضد المجلس العسكري الحاكم في بورما سابقاً، مطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة، لتتوج بجائزة نوبل للسلام ثمرة لهذا النضال الذي أوصلها إلى قيادة ميانمار.
المبادئ لا تتجزأ، فإما أن تُعتنق وتطبق، وإما أن تُنتهك ويُكفر بها، فالمبدأ قضية سامية لا تخضع للمتغيرات والتطورات، فهي ليست سياسات تتبدل بحسب تبدل الأوضاع ولا خططاً تتواءم مع التطورات والمستجدات، فإما أن تكون إنساناً يؤمن بحق أخيه الإنسان في العيش بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه، وإما أن تكون عنصرياً حاقداً تريد أن يموت الجميع لتحيا أنت وعرقك.
قبل ما يزيد على مئتي عام قال الرئيس الأمريكي توماس جفرسون: «هل تود أن تعرف من تكون؟ لا تسأل! فالعمل وحده يحدد قيمتك ويعرّف بشخصيتك»، وهذا ما ينطبق اليوم على زعيمة ميانمار أونج سان سو كي، فالعمل وحده هو الذي سيحدد إذا ما كانت زعيمة تستحق أن يكتب التاريخ عنها بصفتها زعيمة ناضلت من أجل الحرية واستحقت جائزة نوبل للسلام، إذ عليها أن تقف الموقف الذي يليق بتاريخها الذي بات اليوم محل شك، فنحن لا نريدها أن تدافع عن الإسلام ولا عن حقوق مدنية وسياسية لمسلمي الروهينجا، بل عن حق الإنسان في العيش، وأن يترك بسلام وألا يلغى وجوده فقط لأنه مسلم، نريد من زعيمة ميانمار أن تكون على قدر الزعامة التي استحقتها بنضالها، نريدها أن تقف لتقول كلمتها للتاريخ قبل أن تقولها لشعوب العالم، نريدها أن تدافع عن مبدأ قبل أن تدافع عن بشر.
لا أحد ينكر اليوم أن هناك واقعاً مختلفاً في ميانمار وأن أونج سان سو كي ليست صاحبة الكلمة الأولى في بلادها، ولكن إن لم تستطع أن تقف ضد «محرقة العصر» فعلى الأقل أن تدينها وألا تبررها وهذا أضعف الإيمان، وألا تعتبر ما يقال عن الإبادة مجرد تضليل كبير من وسائل الإعلام لتضخيم ما يحدث لمسلمي الروهينجا، وكأن العالم كله يقف ضد بلادها ويحاول تشويه سمعتها المشوهة أصلاً، فالعالم لن ينسى يوماً أن ميانمار سمحت بإبادة جنس بشري، وتخلت عن كل المبادئ الإنسانية التي ميزت البشر عن غيرهم من المخلوقات التي تسودها شريعة الغاب.
نقول للزعيمة المناضلة: ليس شرفاً أن يفوز المرء بجائزة «نوبل» للسلام، بل الشرف أن يستحق هذه الجائزة وأن يؤمن بالمبادئ والقيم التي وجدت من أجلها هذه الجائزة، فمهما اختلفنا في الأعراق والديانات والمذاهب نقف نحن البشر على أرضية مشتركة واحدة وهي الإنسانية، وحق البشر في العيش والحياة الكريمة، فلا يحق لأي عرق أن يلغي عرقاً آخر، فالاختلاف والتعدد من صفات البشر وسنة الكون.
وأخيراً، فإن «هولوكست» الروهينجا ستبقى وصمة عار في التاريخ المعاصر، وستكون عاراً أكثر وخزياً لزعيمة ميانمار «المناضلة» الحائزة على نوبل للسلام!.
olimat25@yahoo.com