مجلس محمد بن زايد.. والبناء الديمقراطي الرشيد
د. ناجي صادق شراب
النظام الديمقراطي اختراع بشري هدفه الوصول لنظام حكم يحفظ للمواطن حقوقه وكرامته، ويضمن المساواة والعدالة والمساءلة والمسؤولية في الحكم، وإتاحة المشاركة السياسية الواسعة في صناعة القرار والسياسة العامة. مقومات هذا النظام قد تجد طريقها وتعبيراتها من نظام لآخر.
وبقدر قدرة النظام السياسي على التكيف مع تطورات بيئته، بقدر ما يكون النظام ديمقراطياً رشيداً. فمعادلة الحكم تكمن في التكيف والاستجابة بين المدخلات والمخرجات، وبعبارة أخرى مدخلات النظام هي بيئته وتطوراته، ويعبّر عن هذا البعد بسلم الاحتياجات والمطالب، وهي هنا احتياجات ومطالب مادية ورمزية؛ مادية في الخدمات التعليمية والصحية والأمنية والرفاه في توفر السكن والتوسع في بناء المستشفيات والمدارس والجامعات، وسياسات الدعم الاجتماعي للطبقات الفقيرة والرعاية لكبار السن. وأما المطالب والاحتياجات الرمزية والمعنوية، فتكمن في الرغبة المتزايدة في المشاركة السياسية والمساهمة في صناعة القرار، وإتاحة الفرصة للمرأة والشباب؛ أي مخرجات النظام بالمشاركة من خلال توفر عناصر وآليات المشاركة كالمجلس الوطني في الإمارات، الذي ترأسه امرأة تسجل لها الكفاءة والقدرة، وزيادة عدد الأعضاء من العنصر النسائي، وإتاحة الفرصة للعنصر الشبابي من خلال تقلد الوظائف العامة العليا، وهذه الآلية متاحة بشكل كبير من خلال تولي العديد من العناصر الشبابية لهذه الوظائف، وعلى رأسها الوزارات.
والإمارات العربية المتحدة سباقة في هذه المجالات والمشاركة، فضلاً عن منظومة المواطنة وهي الحقوق والواجبات التي تعبر عن نفسها في المواطنة والولاء للدولة، وقد نجد من مظاهرها العمل التطوعي والرغبة في التجنيد والشهادة من أجل رفعة الوطن، وهناك بعد آخر يتمثل في ثقافة التسامح والإنسانية في التعامل مع العاملين والمقيمين في الدولة، وفي تعامل الدولة في علاقاتها الخارجية. ومشاركة الدولة في المنظومة الإنسانية لتسجل أعلى نسبة في المساهمة الإنسانية، ودعم دور الأمم المتحدة ومنظماتها. ومن أهم الآليات التي تنفرد بها دولة الإمارات، زيادة دور مؤسسات الفكر والبحث التي تستوعب أعداداً متزايدة من الشباب الباحث في تقديم التوصيات لصانعي القرار.
ومن أهم الآليات الديمقراطية التي تصل إلى درجة الديمقراطية المباشرة التي تغنت بها الفلسفة الإغريقية، التفاعل والتواصل المباشر بين الحاكم والمحكوم، فلا يوجد ما يمنع المواطن من الوصول إلى الحاكم للتعبير عن مطالبه واحتياجاته، وهذه الظاهرة تعبر عن نفسها في ما يعرف بالمجالس السياسية التي لها مستويان؛ المستوى السياسي الأعلى للحاكم، حيث تفتح أبواب هذه المجالس لكل المواطنين يقابلوا من خلالها الحاكم، ويعبرون عن آرائهم ومطالبهم، والمستوى الآخر العام على مستوى كافة المواطنين، تناقش خلالها هموم الدولة بصوت عالٍ ومسموع وتُبَلور في صورة توصيات تقدم للحاكم، وهذه المجالس لها جذورها التقليدية القبلية وتطورت مع تطور الدولة ومؤسساتها، وتحولت لمؤسسة سياسية غير تقليدية تستمد أهميتها وفعاليتها من كونها أشبه بالمنتدى السياسي والثقافي والاجتماعي، وقد تكون صورة مصغرة للمدينة الإغريقية القديمة التي كانت تمارس فيها أعلى درجات الديمقراطية، وتشكل أيضاً شكلاً من أشكال الاستفتاء العام، حيث يستمع الحاكم لمواطنيه بأذن مصغية.
ويتصدر هذه المجالس مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يتحول لمجلس عصف للفكر والنقاش والالتقاء، وآخرها لقاء الشباب وجلوس صاحب المجلس وسط أبنائه من الشباب.. هذه المجالس تحوّلت إلى آلية لإنتاج القيادة الوطنية المساهمة في بناء مستقبلها السياسي، وبها تكتمل أهم ركائز الحكم الديمقراطي الرشيد، ولا شك، تقف وراء هذه المنظومة قيادة رشيدة تمثلها رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وحكام الدولة، لتتحول لثقافة في الحكم أسّس جذورها القوية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد طيب الله ثراه، وهي الحامية لتحقيق التوازن والاستقرار والتطور السياسي والتوالد الذاتي للحكم الديمقراطي الرشيد.
drnagishurrab@gmail.com