مجموعة الـ 20 وعهد جديد من تعدّد الأقطاب
سابينا صديقي
كان من أهم سمات قمة مجموعة دول العشرين، التي عُقدت في ألمانيا مؤخراً، أنها أبرزت معالم عهد جديد من التعددية القطبية، في مواقف دول المجموعة إزاء عدة قضايا مثل الحمائية والانعزالية.
تضم مجموعة العشرين، التي تسدّ الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية 85% من الاقتصاد العالمي. وبعد أن تمّ رفعها إلى مستوى القمة، في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، أصبحت منبراً لأصوات متنوعة تلقى آذاناً صاغية في قضايا الإدارة الاقتصادية العالمية.
وكان الموضوع الرئيسي في قمة المجموعة هذا العام، التي أصبحت أكبر من مجموعة الدول الثماني بكثير، هو «تشكيل عالم مترابط»، واختُتِم المؤتمر بتعهدات بمكافحة الحمائية، والحدّ من ممارسات التجارة غير العادلة، والتركيز على فتح الأسواق، وانتهاج سبل غير تمييزية.
ومع دعوة الرئيس الصيني «شي جين بينغ» الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، إلى الدفاع عن اقتصاد عالمي مفتوح ونظام تجاري متعدد الأطراف، أعرب عن اعتقاده بأن النمو العالمي لا يزال غير مستقر رغم علامات الانتعاش.
وشدّد الرئيس «شي» على دور الابتكار والتنمية في تعزيز النمو العالمي. واقترح زيادة التعاون في الاقتصاد الرقمي، الذي يشكل ثورة صناعية جديدة، والتطوير المشترك لتكنولوجيات وصناعات جديدة.
ومع إعرابه عن معارضة الحمائية، تابع قائلاً: «يجب أن نظل ملتزمين بالانفتاح والمنفعة المتبادلة للجميع، من أجل زيادة حجم الكعكة الاقتصادية العالمية».
وقال معرباً عن تأييده للتنمية المستدامة: «إن هنالك مصدراً آخر للنمو يُستمدّ من بذل المزيد من الجهود لمعالجة قضية التنمية. وتطبيق أجندة 2030 للتنمية المستدامة، ومثل تلك الجهود سوف تعود بالنفع على الدول النامية، وتولد الأعمال وفرص التنمية للدول المتقدمة. وبعبارة أخرى، سيكون ذلك «لعبة مربحة للجميع». وحيث إن الصين ساهمت بأكثر من 30% من النمو العالمي في السنوات الأخيرة، فقد كانت عاملاً رئيسياً في استقرار الاقتصاد العالمي، ودفعه إلى الأمام.
وعلى مرّ السنين، وسّعت مجموعة العشرين جدول أعمالها، فأصبح تغير المناخ، وسياسة التنمية، وأسواق العمل، وسياسة الاستخدام، والتكنولوجيا الرقمية وحتى محاربة الإرهاب، تقع كلها ضمنَ نطاق عملها، بالمقارنة مع تركيزها الوحيد في السابق على نموّ الاقتصاد العالمي، والتجارة الدولية وتنظيم السوق المالية.
وكان مؤتمر هذا العام الذي عُقد في ألمانيا، فرصة مثالية لإنجيلا ميركل لتطرح تصوّرها للتنمية العالمية. وكان هدف ألمانيا في المقام الأول، حماية التجارة الحرة، حيث تجاوز فائضها التجاري 8% من الناتج المحلي الإجمالي لها، في هذا العصر من الحمائية التي ولدت من جديد، عندما طرحها الرئيس ترامب.
ولتحقيق هذا الهدف، تبيَّن أن أفضل حلفاء ألمانيا هو الصين، حيث تتفق القوتان العظميان على اتفاقية المناخ، وكذلك على التجارة الحرة، وكانت تدابير تقاسم التكاليف التي تضم الصين بشأن اتفاقية المناخ، على الأجندة بوجه خاص، حيث اتخذ العالم المتقدم موقفاً دفاعياً فيما يتعلق بهذه القضية، منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية. كما أرادت ألمانيا أيضاً أن تؤثر في قرارات ذات مغزى بشأن قضايا مثل الهجرة وسيل اللاجئين، فضلاً عن مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي.
وكان اختلاف ألمانيا مع الولايات المتحدة في قضايا رئيسية، لا يمكن تصوّره في الماضي، ولكن ألمانيا اتخذت موقفاً حازماً وضغطت من أجل الدعم، ولم يكن توازن القوى متعددَ الأقطاب في أي وقت مضى كما كان في هذا العام. ومما له دلالته أن قمة مجموعة العشرين كانت أكبر حدث دبلوماسي متعدد الأطراف بعد منتدى الحزام والطريق في بكين، ومع اقتراب ختام الجلسات، كان يمكن اعتبار الصين وألمانيا متفاهمتين ومتوافقتين، باعتبارهما داعمتين للتعددية القطبية.
وفي نهاية المطاف سيطرت الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا على أعمال القمة، وسارت في الطليعة.
محللة جيوسياسية في مركز دراسات كيتهون، باكستان.
موقع: تشاينا دوت أورغ