قضايا ودراسات

محلية الشارقة.. وعالميتها

يوسف أبولوز

يرجع اختيار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الشارقة عاصمة عالمية للكتاب في العام 2019 إلى الفكر الذي قام عليه مشروع الشارقة الثقافي منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو فكر تنويري يستند إلى إرث الشارقة الثقافي ذي الجذور التاريخية القديمة التي تعود إلى سنوات بعيدة كانت سنوات تأسيسه وبوسائل أولية سواء في التعليم أو في العمل الثقافي الذي كان عملاً اجتماعياً جماعياً وفطرياً، ولكنه عمل منظم حتى ولو لم تكن آنذاك ثمة مؤسسات ترعى التعليم والثقافة، وهو أيضاً عمل ثقافي نابع من رغبة الناس في المعرفة والتعلم والقراءة، ولذلك، ما من قارئ لبدايات الشعر، على سبيل المثال، في الشارقة إلا ويعود إلى جماعة الحيرة الشعرية، كما ويعود إلى قرّاء قدامى وقارئات قديمات كن يقلن الشعر بالسليقة، ولديهن أخبار المكان والناس، وأقصد بذلك راويات ذلك الزمان البعيد، ورواته الذين يتم اليوم تكريمهم وإعادة الاعتبار لدورهم الثقافي في إطار النشاط التراثي والثقافة الشعبية التي توليها الشارقة كل اهتمام مؤسسي وبرامجي.
في كل هذه الصورة الإيجابية الثقافية التي كانت عليها الشارقة مبكراً، كان الكتاب مصدراً للتعلم والتثقيف، وكان الكتاب، وما يزال نقطة ارتكاز في مشروع الشارقة الثقافي، والكتاب بهذه الأهمية والاعتبارية يعني القراءة، ويعني الوعي، ويعني الحضارية والتمدن والمستقبل.
نشير أيضاً إلى نقطة مهمة في مشروع الشارقة الثقافي من خلال ارتكازه على الكتاب وهي محلية هذا المشروع وعمقه العربي، وبالتالي، عمقه العالمي.
محلياً.. أي في المشهد الثقافي الإماراتي يسجل للشارقة أنها مركز وعي مبكر ومركز مؤسسات ثقافية مبكرة نجم عنها بالضرورة معرض الكتاب الذي أخذ نموه الأفقي والعمودي كمياً ونوعياً يشمل النشر، وصناعة الكتاب، والتوزيع، واستقطاب ناشرين، وتوفير بيئة عملية وتكريمية لهم.
تتضمن المحلية الإماراتية عنصراً عالمياً من خلال طبيعة المجتمع الإماراتي، ونحن هنا ننظر إلى إيجابية هذه النقطة بوصفها قيمة ثقافية عالية متمثلة بشكل واضح في محلية مشروع الشارقة الثقافي.
عربياً استقطب هذا المشروع الحيوي مئات الكتاب العرب، وتبنت الشارقة نشر الكثير من العناوين العربية في الآداب والفنون والنقد والمسرح.. أي الكتاب العربي الذي استحوذت عليه لسنوات طويلة عواصم تقليدية ثقافية مثل بيروت، وبغداد، والقاهرة.. قد وجد طريقه إلى الإمارات في ظل الأداء الثقافي العملي للشارقة.
عالمياً.. استقطب مشروع الشارقة الثقافي أيضاً نخباً محترمة من الشمال والجنوب والشرق والغرب، والمعيار الرئيسي لهذا الاستقطاب هو فكر وثقافة التنوير والانفتاح المشدود إلى التراث، والإبداع القائم على ما هو إنساني تسامحي.
إذا أردنا أن نقرأ طبيعة الروح الثقافية للشارقة، علينا فعلاً أن نستجمع هذه الخيوط الأساسية: المحلية، العربية، العالمية، ومن هذه الخيوط التي تشكل النسيج العام للهوية الثقافية الشارقية يأتي اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب احتراماً دولياً للتاريخ الطويل الذي قطعته عاصمة الثقافة العربية والإسلامية بهدوء وتخطيط، ومعرفة جذرية بأن الكتاب الذي هو أساس كل ثقافة كريمة.. هو أول خطوة نحو المستقبل الحضاري الإنساني.

y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى