قضايا ودراسات

محنة مسلحة في طرابلس

مفتاح شعيب

تواجه العاصمة الليبية طرابلس محنة مسلحة جديدة بتقاتل ميليشيات متنافسة على إدارة البوابة الشرقية للمدينة، وسط حالة من السخط الشعبي على عجز حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج عن معالجة الأزمة والوفاء بتعهداتها بضبط الأمن وإنهاء الفوضى السائدة.
التطورات السيئة تنذر بأن الصراع مرشح للاستفحال والتمدد في بقية أرجاء العاصمة وخارجها، خصوصاً أن الميليشيات الموالية لما يسمى «حكومة الإنقاذ» الإخوانية بدأت تشعر بضيق الخناق عليها مع توالي الضغوط السياسية والعسكرية والاجتماعية. فمن جهة فقدت هذه الميليشيات السند الخارجي والداخلي، وتتعرض للضغط من الجيش الوطني الليبي بعدما لوّح مراراً باقتحام العاصمة وتخليصها من هذا الانفلات المزمن. والمعارك الأخيرة نموذج لانعدام الاستقرار الذي أحال حياة المدنيين إلى رعب مستمر، فقد اضطر المئات إلى النزوح هرباً من الموت في أجواء قائظة. ولم يحسم الخطر على الرغم من إعلان كتائب حكومة الوفاق سيطرتها على المنطقة، فقد اكتفى الفرقاء بإحصاء الخسائر وتبادل التهديدات، وهو ما يعني أن ما حدث في مدينة «القره بوللي» سيتكرر حتماً في منطقة أخرى، فالمعارك في طرابلس وحولها تندلع دون مقدمات في غالب الأحيان، مثلما كان الحال في مارس الماضي حين انفجر قتال ضروس في قلب العاصمة، وكان الأعنف من نوعه وأدى إلى خسائر بشرية فادحة بين المدنيين، فضلاً عن أنه اغتال السلم الهش ووضع طرابلس في صدارة أقل العواصم أمناً.
القتال الدامي الأخير ليس وحده في تنغيص حياة الليبيين في طرابلس، فقد جاء تحت درجات حرارة مرتفعة مع نقص فادح في الخدمات من جراء انقطاع خدمات الكهرباء والماء، ما زاد من حدة الغضب والعتب على حكومة السراج التي فشلت في تأمين حياة الناس وحل المشاكل اليومية. ومع كل يوم يمر تجد هذه الحكومة نفسها أمام استحقاق جديد، مع التنويه بأن الرجل حاول، منذ تسلمه مهامه مدعوماً من الأمم المتحدة قبل 15 شهراً، أن يفعل شيئاً، ولكنه وجد التحديات أكبر من المتوقع والمطالب أعلى من إمكانياته، ولذلك استفحلت الأزمات العاصفة واستمر انفلات السلاح وتناسل الميليشيات، وتعاظم التهديد وتجاوز كل الحدود.
حين رزحت مدينة سرت تحت تنظيم «داعش» الإرهابي، كانت الأمنيات تروج لوضع جديد سيولد بعد تلك المعركة الضارية، بينما كانت المخاوف من استمرار الصراعات واتساعها لأن من تحالفوا ضد «داعش» كانوا يحملون أجندات مختلفة، وبعد أشهر من ذلك النصر، سقطت الأمنيات وبقيت المخاوف بدليل المعارك المتقطعة هنا وهناك، وفي ضوء التقارير الموثقة عن نشاط مئات المسلحين والإرهابيين والمرتزقة الأجانب الذين تحولوا إلى قطّاع طرق لتهريب السلاح والمهاجرين خصوصاً من الصحراء الإفريقية.
التوتر القائم في طرابلس يفترض ألا يستمر، فقد عيل صبر الليبيين وسلبت منهم الظروف والميليشيات والتنظيمات الإرهابية الإحساس بالحياة والشعور بأنهم في وطن تعايشوا فيه أجيالاً وأجيالاً. وربما تكون اللحظة مناسبة إلى الاهتداء إلى الخيار الأسلم، وهو إنجاز المصالحة الوطنية والقضاء على انفلات السلاح ومحاربة الجماعات المتطرفة، وعندها يمكن أن تعود الحياة إلى ليبيا وتنعم طرابلس وبقية المدن بالأمن والسلام.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى