قضايا ودراسات

مدير فاهم غلط

محمد سعيد القبيسي

طلب صاحب الشركة من المدير العام توفير سبل الراحة والبيئة المثالية للموظفين لزيادة الإنتاجية وتطبيق أفضل الممارسات الإدارية. انتهت المدة المحددة، وحلّت اللحظة الحاسمة لزيارة صاحب الشركة وتفقّد ما تمّ إنجازه، ووقع هذه التغييرات على أداء الموظفين، وعلى الشركة. وقف الجميع للاستقبال من موظّفين بمختلف درجاتهم، وعلى رأسهم المدير العام، ليحلّ عليهم الرئيس مبتسماً.
ما إن بدأت الجولة التفقدية حتى اندهش الجميع من التكدس غير الطبيعي للموظفين في المكتب الأول، غرفة صغيرة مملوءة بالموظفين، ولا يكاد أحدهم يحرك يده دون أن يلامس من بجانبه. استمرت الحال على نفس المنوال من إدارة إلى أخرى إلى نهاية الجولة، وقبل أن يتوجه صاحب الشركة إلى قاعة الاجتماعات لمناقشة الأعمال قرر الذهاب إلى دورات المياه، فكانت المفاجأة. ازدادت مساحتها اتساعاً ورحابة، كما زُوّدت بأحدث وسائل الراحة والتكنولوجيا. خرج وهو يرمق المدير العام بنظرة تساؤل واستغراب، ما هذا؟! لماذا كل هذا الاهتمام الزائد بدورات المياه؟! وصعقه الرد: «لقد نفذنا تعليماتكم بتوفير سبل الراحة والبيئة المثالية للموظفين، تصغير مساحة الإدارات، وتوسيع دورات المياه للراحة»!
كان هذا أحد المشاهد المستقاة من مسلسل فكاهي يعرض قضايا المجتمع في قالب من الدعابة الممتعة والنقد الساخر.
لا تكاد تخلو أماكن العمل من مثل هذه المشاكل بتنوع أشكالها وأنواعها، خصوصاً عندما يتولى الإدارة أشخاص يفتقرون إلى النظرة النافذة والتفسير المنطقي للتعليمات وفق الأطر العامة المتعارف إليها؛ حيث يركزون اهتمامهم على الشكليات وقشور الأمور والاجتماعات التي لا طائل منها، والكلام السفسطائي والثرثرة الشخصانية، وعرض العضلات بأفكار لا تنفذ؛ بل هي حبر على ورق، دون الأساسيات التي يتولاها القلب النابض للإدارة «الموظف». ما فائدة تعديل المباني والديكور مقابل تضييع أبسط حقوق الموظف من وجوده في المكان المناسب، والدرجة الوظيفية المناسبة، والتقييم المنصف والتدريب المستمر لتطوير مهاراته وصقل مواهبه وضمان أداء فعال لعمله، وتحسين الكفاءة؟.
بدون الموظف الكفء ستكون المؤسسة مجرد مبنى خاوٍ على عروشه؛ ذلك أن الاستثمار في الحجر دون البشر خطأ لا يعيه أغلب المسؤولين؛ حيث إنه يؤدي حتماً إلى فشل ذريع، وضعف كبير في الإدارة.
همسة: لا يعني الاهتمام بالكادر البشري تكريس المحاباة والقرابة أو قرارات استثنائية دون دراسة، فذلك ما يُخلّ بميزان تطبيق اللوائح، ما يثير الخلاف بين الموظّفين، ويصيب بعضهم بالإحباط لينعكس جلّ ما سبق على أداء أعمالهم. إنّ هذا الغبن سيُفقد الكادر البشري الثقة بالمسؤولين، ويدفع الأفراد إلى الانطواء أو النفاق للحصول على حقوقهم.
أخيراً، مهما حاولنا تغطية هذه المخالفات فإنّ الحقيقة ستظهر جلية واضحة للعيان، وسنكون يوماً ما موضع مساءلة عن حقوق الغير. فليتقّ كلّ راعٍ الله في رعيّته؛ ذلك أنّه في النهاية لا يصحّ إلا الصحيح.

abudhabi@email.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى