قضايا ودراسات

مسارات السلام و«الصفقة الكبرى»!

د. ناجى صادق شراب
عنصر الزمن أو الوقت المناسب للسلام من أهم العناصر التي يمكن أن تبدأ من خلاله عملية سلام حقيقية تقود لمصالحة تاريخية شاملة كما في النموذج الجنوب إفريقي. وهنا التساؤل: هل من وقت مناسب لتحقيق السلام للصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي»؟ مناسبة هذا السؤال، تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق التسوية أو الصفقة التاريخية لحل عقدة الصراع الفلسطيني-«الإسرائيلي».
تثبت الدراسات المختلفة التي تناولت موضوع النزاعات الدولية أهمية عنصر الوقت، الذي يعني استعداد طرفين أو أطراف الصراع لاستبدال الصراع المسلح بالحلول السلمية.
عدم نضج الصراع هو الذي يقف وراء فشل العديد من المبادرات السياسية. لأن أطراف الصراع لا ترى إلا مصالحها، ولا تثق في الطرف الآخر، ومن ناحية أخرى قد يرى أحد الأطراف أن استمرار الصراع يعمل لصالحه، وثمنه أقل من الثمن الذي سيُدفع للسلام.
يبقى السؤال الذي يكرر نفسه، هل هذا هو الوقت المناسب لصنع السلام وإنهاء الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي»؟..
بالعودة لما سمي «المصافحة التاريخية» بين الرئيس الراحل عرفات وإسحق رابين وبيريز في البيت الأبيض عام 1993 هناك من تصور أنها اللحظة المناسبة للدفع بصنع السلام، وهناك من يرى في لقاءات مدريد اللحظة المناسبة. ومنذ ذلك الوقت فشلت كل المبادرات، وكل الوساطات التي سعت لإيجاد حلا سلمي، بل إن الوضع قد ازداد تعقيداً، ولم يتم استبدال خيار الحرب بخيار السلام والتفاوض، بدليل فشل المفاوضات عبر عقدين من الزمن. وكان السؤال: ألا يكفي أن يتفاوض الفلسطينيون و«الإسرائيليون» عشرين عاماً للوصول لتسوية تفاوضية تنهى الصراع؟!
منذ ذلك الوقت بقي الصراع يتأرجح صعوداً وهبوطاً، وبقي خيار المواجهة العنيفة المسلحة قائماً، بل ازدادت وتيرته، وخلال هذه الفترة اندلعت الانتفاضة الثانية، ورأينا إعادة احتلال «إسرائيل» للضفة الغربية وتدميرها للمقاطعة، وتهديد حياة الرئيس عرفات بشكل مباشر بتوجيه فوهة المدافع نحو الغرفة التي كان ينام فيها في المقاطعة، واستمرت سياسات الاعتقال، والاقتحام والمواجهات هي السائدة في الضفة الغربية، وخيار الحرب هو المتحكم في علاقة «إسرائيل» بغزة بعد سيطرة حماس عليها عام 2007، لتندلع خلالها ثلاث حروب. وتجدر الإشارة هنا إلى فشل كل الزيارات المكوكية التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري إلى المنطقة وتوقف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، واستمرت «إسرائيل» في سياسات التهويد والاستيطان. وهنا نسأل: هل تكفي رغبة الرئيس الأمريكي بإنهاء الصراع، وهل هناك إمكانية لتسوية ما؟
هنا تبرز ثلاثة مسارات قد تقف وراء هذا التفاؤل، وإن كان ذلك يمثل تحدياً كبيراً للرئيس ترامب. هذه المسارات هي مسارات متوازية وتكاملية، بمعنى أنها قد تسير معاً، المسار الأول ويسمى المسار الأساس وهو المسار الفلسطيني – «الإسرائيلي»، وهو أساس الصراع، لكن إشكاليته هو أن الطرفين غير قادرين على الوصول إلى اتفاق تفاوضي لأن «إسرائيل» تتمسك بمواقف تقوم على التوسع والاستيطان من منطلق أساطير تلمودية وفكر صهيوني لا يعترف بحقوق الآخر الفلسطيني صاحب الأرض، كما ترفض أن تكون بداية الحل قيام الدولة الفلسطينية. هذا المسار لا يمكن أن يحقق السلام بمفرده ويحتاج إلى مسارٍ موازٍ يسير معه خطوة خطوة وهو المسار الإقليمي، لكن «إسرائيل» ترفضه لأن ركنه الأساسي يقوم على أساس مبادرة السلام العربية ومضمونها الأرض مقابل السلام، وشرطه حل قضية اللاجئين والقدس والحدود. أما المسار الثالث فهو المسار الدولي الذي يوفر الضمانة القوية لأية نتائج يتم التوصل إليها، ويوفر الحاضنة الدولية الضرورية لإنجاح السلام.
إن حراك هذه المسارات يتوقف على الدور الأمريكي الفاعل والضاغط والمتحرر من الكثير من الانحيازات السابقة. أحد عوامل نجاح هذه العملية أن تستعيد الولايات المتحدة صدقية دورها، وأن تتحرر «إسرائيل» من عبء الأساطير والنهج العنصري.
طريق السلام طويل ولكن قد يبدأ بالخطوة الصحيحة التي لم تبدأ بعد. وسيبقى السؤال: هل ستشمل الصفقة الكبرى لدونالد ترامب هذه التصورات وكل مكونات الصراع؟

drnagish@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى