قضايا ودراسات

مشروع استعادة العراق

بين لحظة وأخرى، سيكون العالم كله، وليس العرب وحدهم ومعهم دول الجوار الإقليمي، أمام إعلان الخبر الذي ظلوا ينتظرونه طويلاً وهو إعلان الانتصار العراقي النهائي على تنظيم «داعش» الإرهابي، وتطهير كافة أحياء مدينة الموصل من عناصر هذا التنظيم. للانتصار معانٍ كثيرة، لعل أبرزها أن الدولة العراقية استعادت عافيتها، وأن الجيش العراقي وقوات الأمن التي انتصرت في تلك الحرب الأليمة ضد هذا الإرهاب ستكون من أهم أعمدة بناء الدولة العراقية، لكن ما هو أهم هو أن هناك إرادة سياسية تبلورت داخل العراق، وبالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية وبالتحديد الولايات المتحدة وإيران، لوضع نهاية لهذا الإرهاب. لكن السؤال المهم الذي يفرض نفسه بهذا الخصوص هو: هل هذه الإرادة يمكن أن تتواصل لإعادة إعمار العراق سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بدرجة تسمح أن يعود العراق دولة ومجتمعاً متماسكاً وموحداً ومتمتعاً بالاستقرار والسلام؟
للإجابة عن هذا السؤال، فإن حيدر العبادي رئيس الحكومة ومعه كل رجال الدولة والسلطة مطالبون بالعمل على ملفين كبيرين يتشعب كل منهما إلى عشرات الملفات، أول هذين الملفين هو ملف «المصالحة الوطنية» الذي يجب أن يرتكز على مشروع سياسي كبير وواضح ومحدد المعالم، ومن أبرزها مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية دون أي تمييز بين كافة أبناء العراق، بعيداً عن الطائفية السياسية والانتماءات العرقية، جنباً إلى جنب مع إقرار مبادئ العدل والمساواة وسيادة القانون، ورفض المحاصصة الطائفية، والالتزام بوحدة العراق أرضاً وشعباً. العراق سيكون بهذا المعنى بحاجة إلى انتصار سياسي وثقافي وفكري يتوازى مع الانتصار العسكري الذي تحقق، وفق مشروع وطني للحكم وإدارة السياسة في البلاد يضع نهاية لكل ترسيبات الاحتلال الأمريكي للعراق.
أما الملف الثاني فهو إدارة علاقات العراق مع دول الجوار الإقليمي وخاصة كل من إيران وتركيا والسعودية إضافة بالطبع إلى الكويت وسوريا والأردن بتوازن دقيق يُخرج العراق من أي انحيازات هنا أو هناك، لأن هذا التوازن هو الذي سيستعيد للعراق إرادته الوطنية ويعفيه من إملاءات الشروط والضغوط، كي يتفرغ لعملية إعادة بناء ما دمره الأمريكيون أولاً بغزوهم واحتلالهم العراق عام 2003، وما أحدثه إرهاب «داعش» ثانياً من دمار مادي ومعنوي مزق وحدة العراق. فهل سيستطيع حيدر العبادي، وهل سيستطيع العراق أن ينهض بهذين الملفين وهو يواجه انقسامات وصراعات سياسية داخلية حادة خاصة مع جماعة نوري المالكي، فضلاً عن نوازع الانفصال في إقليم كردستان التي يتزعمها مسعود البرزاني رئيس الإقليم، ناهيك عن الصراع الأمريكي- الإيراني المتوقع داخل العراق.
التعقيدات هائلة، ويبدو أن حيدر العبادي يدرك فداحتها، لذلك كان حريصاً خلال الأيام الماضية على أن يقوم بجولة مهمة شملت السعودية وإيران والكويت ليبحث أمر العلاقات العراقية مع هذه الدول على قاعدة التعاون المشترك والاحترام المتبادل، وكان حريصاً أيضاً أن يعلن قبيل مغادرته بغداد متوجهاً إلى جدة أن «العراق خرج لتوه منتصراً، ويريد التنسيق مع الدول للقضاء على الإرهاب، ولن يكون طرفاً في أي نزاع، ولن تكون أرضه مكاناً للعدوان على أي دولة جارة».
زيارة العبادي للسعودية كانت ناجحة للتأسيس لعلاقات ما بعد الانتصار العسكري، وذهابه إلى إيران بعدها كانت غايته التأكيد على النهج الجديد للحكم في العراق وخاصة توازن العلاقات بين الرياض وطهران. وإذا كان قد توصل مع السعوديين إلى توافق حول هذا النهج، فإن إيران تبقى هي العائق الأكبر من منظور: هل ستسمح للعراق أن يصبح دولة كاملة السيادة، وأن تتراجع عن طموحاتها الإمبراطورية التي ترى بغداد عاصمة لها، أم أنها ستعرقل مشروع حيدر العبادي بالضغط عليه بورقة نوري المالكي؟
السؤال مهم، خاصة بعد توافق العبادي مع القيادة السعودية على تأسيس «مجلس تنسيقي» بينهما للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي المأمول، وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات بما في ذلك السياسية والأمنية والاقتصادية، ضمن اهتمام مشترك لمواصلة الجهود الناجحة لمحاربة التنظيمات الإرهابية.
إياد علاوي نائب الرئيس العراقي لديه رؤية شاملة للتعاطي مع الملفين الكبيرين اللذين يواجهان العراق، فهو يطرح دعوة للانخراط المباشر في مشروع وطني لإعادة بناء العراق من خلال السعي إلى تشكيل «قائمة انتخابية موحدة» ترتكز على بناء دولة المواطنة، ورفض تسييس الدين، أو الانقسام على أساس طائفي أو جهوي، كما أنه يقترح عقد مؤتمر إقليمي يؤسس لعدم التدخل في شؤون دول المنطقة، ومراعاة المصالح المشتركة من أجل السعي لبناء منطقة خالية من التشنج والتوتر وبمشاركة العراق هذه المرة.
هل يمكن أن يكون مشروع إياد علاوي هو مشروع حيدر العبادي وكل القوى والزعامات الوطنية العراقية الراغبة في استعادة العراق؟
سؤال مهم، لكن ما هو أهم هو: من هم الذين يهمهم أمر استعادة العراق سواء كانوا من العراق أم من جواره الإقليمي، ناهيك عن القوى الدولية المتربصة بالعراق؟
د. محمد السعيد إدريس
msiidries@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى