قضايا ودراسات

مصر هدف للإرهاب

لم يمض الكثير من الوقت منذ أن استهدف الإرهابيون مصر بالتفجيرات في كنيستي مارجرجس بطنطا ومحيط الكنيسة المرقصية بالإسكندرية، وأدت إلى وقوع العديد من القتلى والجرحى وسط المحتفلين في الكنيستين بعيد الشعانين، وقبلها الكاتدرائية المرقصية في العباسية وسط القاهرة نهاية العام الماضي، وغيرها من أعمال إرهابية استهدفت المدنيين ودور العبادة.
وها هو الإرهاب يضرب في مصر مرة أخرى، وكما في المرات السابقة يستهدف مدنيين أبرياء من المصريين الأقباط، ما يشير إلى أن الأمر يندرج في مخطط شرير لدى الجماعات التكفيرية ومن يمولها ويوجهها في تصدير الخصومات المذهبية والتناحرات إلى مصر، لتكرار سيناريو الانقسامات المذهبية الجاري في بلدان عربية أخرى.
ولا تنفصل العمليات الإرهابية في العمق المصري عن سياق ما تمارسه الجماعات التكفيرية ضد الجيش في سيناء من إرهاب، بغية زعزعة الاستقرار في مصر، انتقاماً من نجاحها في إفشال «أخونة الدولة»، حيث عطلت بذلك مشروعاً سياسياً خطيراً استثمرت فيه أموال وجهود كبيرة، كان يراد من خلاله توجيه المنطقة في وجهة تخدم أجندات ومصالح دول أجنبية وقوى إقليمية، تستغل حال الضعف العربي الراهنة لتنفيذ مشاريعها.
مصر رافعة العرب الأساسية، إذا صلحت أحوالها صلحت أحوالهم، وإذا ساءت أحوالها ساءت أحوالهم، وهذه خلاصة التجربة التاريخية، ماضياً وحاضراً، لذلك يريد الإرهابيون، ومن يقف خلفهم، تعطيل دورها، عبر التآمر على الوحدة الوطنية لشعبها، وهي وحدة اختبرها الزمن، ولم تفلح محاولات تمزيقها، حيث اشترك المسلمون والأقباط في صنع تاريخهم المشترك، تاريخ مصر، عبر محطات فاصلة في هذا التاريخ كان بينها تاريخا 25 يناير و30 يونيو.
حماية أمن مصر، كما أمن أي دولة عربية تواجه الجماعات التكفيرية والإرهابية، مسؤولية وواجب وطني، وفي سياق ذلك فإن المطلوب وضع استراتيجية شاملة ترمي لمعالجة البيئة التي تفرخ الإرهاب وتنتجه، تتضمن حزمة من التدابير والسياسات سواء منها تلك الموجهة نحو تعزيز الوحدة الوطنية، أو إشاعة ثقافة التسامح وقبول الآخر، ومحاربة كافة أشكال الكراهية والانعزال، وتكريس قيم المواطنة التي تستوعب جميع أبناء الوطن بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم وعرقهم.
إن مواجهة الإرهاب وأفكار التطرف في عالمنا العربي هي مسؤولية الدولة والمجتمع في الآن ذاته، لذا يجب إشراك القوى الحية في مجتمعاتنا من مؤسسات المجتمع المدني ومن القوى الحديثة المؤمنة بمثل التنوير والتقدم والمؤمنة بالعيش المشترك في خطط التصدي للفكر الظلامي على كافة تنويعاته، ومراجعة المناهج التعليمية والتربوية والبرامج الإعلامية وإعادة هندستها، كي تكرس قيم التسامح والعلم والحداثة وتكون في مستوى تحديات الزمن الذي نحن فيه.

د. حسن مدن
madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى