قضايا ودراسات

معارك الحسم

فيصل عابدون

تخوض القوات العراقية و«قوات سوريا الديمقراطية» مدعومة بقوات التحالف الدولي معارك حاسمة خلال الأيام القادمة لتحرير مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية، ومن المؤمل أن يؤسس النصر في هذه المعارك لإلغاء دولة «داعش» المزعومة وإعادة التنظيم المتطرف إلى جحوره القديمة. وتقول التقارير إن الاستعدادات قد اكتملت والزحف بات وشيكاً.
ومن غير المتوقع أن ينجح التنظيم المتطرف أو ما تبقى منه في الصمود بوجه الهجوم العسكري الكاسح والمنسق على الجبهتين الكبيرتين للتنظيم، ف«داعش» التي تعيش حصاراً محكماً في آخر معاقلها الحصينة، تضعضعت قوتها كثيراً وهي تنزف وتستنزف وباتت تعاني فقراً في الموارد والتسليح والذخائر والقدرات العسكرية والجنود المقاتلين.
ومن خلال قراءة انسحابات مسلحي التنظيم مع عائلاتهم من قرى المنصورة وهنيدة وسد البعث من دون قتال، وهي المناطق التي تفتح الطريق أمام تقدم قوات سوريا الديمقراطية نحو الرقة من ثلاثة محاور، يمكن الخروج باستنتاجات صحيحة عن حالة الفوضى والضياع التي تعيشها قيادة التنظيم.
كما أن المذابح التي يرتكبها عناصر التنظيم المتطرف ضد المدنيين الهاربين من الموصل إلى مناطق تمركز الجيش العراقي تكشف أيضاً حالة اليأس التي تعصف بالقيادات العسكرية الوسيطة واندفاعها للأعمال الانتقامية ضد المدنيين الأبرياء بعد أن أيقنت هذه القيادات من حتمية الهزيمة.
ومما لا شك فيه أن التنظيم المتطرف تمكن عبر حلقات ماضية من تاريخه من تجنيد عسكريين محترفين خططوا لعملياته العسكرية وساعدوا على صموده طوال المراحل الماضية. لكن هؤلاء ستكون لهم قراءاتهم الفنية للواقع الماثل وهو واقع هزيمة لا يمكن إنكاره، وقد لا يرغبون في خوض حرب انتحارية نتائجها محسومة بالحسابات العسكرية. وبالتالي فقد تكون لهم خياراتهم المتعارضة مع قيادة التنظيم المتشدد، وهي خيارات محدودة لا تخرج عن الاستسلام باتفاق أو الانسحاب من أرض المعركة.
النتيجة الحتمية لمعركتي الرقة والموصل فقدان «داعش» ميزة الأرض واختفاؤه عن المشهد السياسي والعسكري في سوريا والعراق وانكفاء أقوى تنظيمات العنف المتطرف إلى جيوب بعيدة ونائية هنا وهناك. لكن ذلك لا يعني بالطبع أن الإرهاب قد اختفى وطويت صفحته، لكنه يعني أولا وقبل تحطيم القاعدة الحصينة التي كانت تمثل حجر الزاوية لعمليات الاستقطاب والتجنيد والتدريب والتخطيط للهجمات.
من جانب آخر فإن تحييد «داعش» وخروجه من اللعبة من الطبيعي أن يفرز وضعاً سياسياً مختلفاً في منطقة صراع معقد ومتعدد الأطراف والأجندات. لكنه وفي ذات الوقت يمنح فرصة تاريخية لإعادة ترتيب الأوضاع والقضايا المعلقة، وفي هذا الخصوص فإن بإمكان العراق استثمار الفرصة لاستعادة وحدته الوطنية الممزقة. بينما يفتح تحرير الرقة المجال أمام مفاوضات التسوية في سوريا.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى