قضايا ودراسات

معركة في حرب

يبدو أن ساعات قليلة تفصلنا عن إعلان انتصار الجيش العراقي في مدينة الموصل على تنظيم «داعش» الإرهابي، إلا أن ذلك لا يعني نهاية
الحرب ضد الإرهاب، فما يتحقق هو انتصار في معركة، بانتظار معارك أخرى على جبهات متعددة.
صحيح أن الانتصار في الموصل يعني سقوط «عاصمة» الإرهاب و«دولة الخلافة»، لكن الصحيح أيضاً أن فلول الإرهاب لا تزال في مناطق متعددة من نينوى والأنبار واجتثاثها يحتاج إلى معارك أخرى على الطريق، وإلى المزيد من الجهد والتضحيات، كما يجب ألا يسقط من الحساب أن ل «داعش» خلايا سرية في أكثر من منطقة و«ذئاب منفردة» قادرة على إلحاق الأذى بالعراق والعراقيين من خلال السيارات المفخخة
والأحزمة الناسفة، أو القيام بهجمات مفاجئة في مناطق غير متوقعة.
لم تكن معركة تحرير الموصل (قادمون يا نينوى) التي بدأت يوم 17 أكتوبر 2016، أي قبل تسعة أشهر سهلة، فهي بدأت في القسم الشرقي من المدينة، واستغرق تحريره أربعة أشهر، أما القسم الغربي، أي المدينة القديمة حيث تجري المعارك الحالية فكان الأصعب والأكثر تعقيداً، لأن الإرهابيين انسحبوا إليه من القسم الشرقي، وهو القسم الذي يضم مقر قيادة الإرهابيين ورمزهم (مسجد النوري)، وقد تم إعداده لحرب شوارع باستغلال أزقته الضيقة وشبكة الأنفاق والمتاريس والسيارات المفخخة والعشرات من الانتحاريين والقناصة الذين انتشروا في المداخل والشوارع، لإعاقة تقدم القوات المهاجمة، ناهيك عن استغلال عشرات
آلاف المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية.
كانت القوات العراقية تخوض المعركة في ظروف ميدانية صعبة، إذ لم يكن بمقدورها استخدام الأسلحة الثقيلة خوفاً على المدنيين، ولا تستطيع تحريك الدبابات في الأزقة، واضطرت لخوض حرب عصابات لمجاراة مقاتلي «داعش» الذين كانوا يخوضون معركة حياة أو موت، خصوصاً أن معظمهم من الأجانب الذين لا خيار أمامهم إلا الاستسلام أو الموت، الأمر الذي أدى إلى تقدم بطيء للقوات العراقية التي دفعت ثمناً باهظاً في الأرواح والعتاد.
كل ذلك لا يقلل من أهمية الانتصار في معركة الموصل التي يحسب فيها للجيش العراقي أنه طوى صفحة سوداء من تاريخ العراق، كما طوى صفحة أسوأ في تاريخه العسكري، عندما تمكنت «داعش» من احتلال الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية دون مقاومة من الوحدات العسكرية جراء فساد وخلل واختراق وانهيار في صفوفها، وما نجم عن ذلك من مصرع آلاف الجنود ذبحاً على أيدي الإرهابيين في مشاهد يندى لها جبين الإنسانية نقلت وقائعها الوسائل الإعلامية.
يطوي الجيش العراقي خلال ساعات صفحة الموصل، وينتقل إلى معارك أخرى في تلعفر وبقية نينوى والأنبار لتحريرها من فلول الإرهاب، وهي بالمقاييس العسكرية ليست سهلة، ومن ثم مواجهة الخلايا النائمة، والاستعداد لمواجهة مرحلة ما بعد الحسم العسكري في ظل الدعوات الانفصالية من هنا وهناك.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى