مفارقات قانون الانتخاب اللبناني
د. خليل حسين
لطالما شكّل قانون الانتخاب في لبنان مادة سجالية لم تحسم تفاصيله بشكل يرضي المطالبون بتغييره؛ بل كان، وسيظل سبباً في نشوء أزمات حكم، غالباً ما أدت إلى شرخ وطني كبير، تلتها نزاعات، واحترابات مجتمعية، قاعدتها الخلاف على شكل الحكم، وأدواته، ووسائله، وظاهرها مغلفة بنزاعات طائفية ومذهبية، كالتي ألصقت بقانون العام 1960، وقبلها بالتعديلات التي كانت تقر على القانون الأساسي الموضوع إبان عهد الانتداب.
ولبنان الذي ظل خاضعاً لقانون عماده النظام الأكثري، وتقسيم الدوائر الانتخابية إلى دوائر صغيرة، كالقضاء، لغايات وأهداف أساسها إنتاج مجلس نيابي على قياس أطراف محددة، كسر القاعدة المألوفة في هذا القانون، فارتكز على النظام النسبي الذي ظل مطلباً مدوياً في الحياة السياسية اللبنانية لأكثر من نصف قرن، فهل حلت المشكلة اليوم في هذا القانون، وماذا في بعض تفاصيله؟
بصرف النظر عن بعض الوقائع والخلفيات التي رافقت إقراره، فإن اعتماد النسبية تعتبر خطوة جريئة لا بد من اتخاذها بعد مضي أكثر من سبع وعشرين عاماً على وثيقة الطائف والتعديلات الدستورية التي جرت وفقاً لها في العام 1990، إلا أن هذه الخطوة ظلت ناقصة بفعل ربط النسبية بتقسيم الدوائر الانتخابية. فالنظام النسبي المطالب به أساساً هو إقامة الانتخابات على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، باعتبارها تنتج مجلساً نيابياً ممثلا للتيارات السياسية، بأفضل صور التمثيل، إلا أن ما جرى من تقسيم للدوائر الانتخابية وعددها 15 دائرة،إضافة إلى اختلاط المعايير في الدمج، أدى إلى تصويب السهام على القانون باعتباره راعى ظروف بعض الزعامات السياسية في بعض المناطق، كما حابى بعض التيارات والأحزاب في مناطق أخرى، وفي كلتا الحالتين ثمة من يقول، إن ثمة فئة واسعة من اللبنانيين لا تنتمي إلى تلك الفئات، التي ستحصل ولو على النظام النسبي أغلبيات مريحة تتيح لها التحكّم لاحقاً في مفاصل السلطة تشريعياً وتنفيذياً في البلاد، وهو أمر يبدو صحيحاً إلى حد كبير. ففي بعض الدوائر تم دمج أقضية، وفي بعضها الآخر أقضية مع محافظة، وفي بعضها الآخر سلخ مناطق عن أقضية، بهدف إما ضم شرائح من طائفة معينة إلى أغلبية تنتمي إليها، وفي بعض الأحيان تم تقسيم الدوائر مراعاة لطائفة لا تنتمي إلى الأغلبية الموجود فيها. باختصار، إن مقاربة تقسيم الدوائر الانتخابية وفقاً للقانون، وما يمكن أن ينتجه لاحقاً، تجعل منه نسخة مقنعة من قانون الستين الذي تنصل منه معظم التيارات السياسية علناً، وتمسكت به سراً.
جانب آخر من القانون لم يسلم من الانتقادات، وهو الصوت التفضيلي في الدائرة، فهو في نظر الكثيرين يعتبر وسيلة لإعادة تكريس بعض الزعامات على طوائفها، وأحزابها، ومن تمثل، وأمر من شأنه ضعضعة بقية المرشحين في اللائحة الواحدة، واعتبارهم في أفضل الأحوال ملحقين في اللائحة الانتخابية غرضهم المنافسة أولاً فيما بينهم على حصد الأصوات، وتركهم كعراة انتخابياً في مواجهة مصيرهم في ظل تحالفات شخصية ومناطقية ضيقة جداً.
أما الأمر اللافت للنظر، وهو التمديد للمجلس النيابي بحكم ربطه بإنجاز البطاقة الممغنطة لإجراء الانتخابات، فهو ربط تقني صعب التحقق من الناحية اللوجستية، فحتى وزارة الداخلية وهي المسؤول الأول عن إنجازها، أعلنت عبر وزيرها أن ذلك الأمر صعب التحقق خلال تلك الفترة. وبالتالي يثور السؤال إلى أين ستؤول العملية الانتخابية؟ فهل يعني أن ربط حصول الانتخابات مرتبط بالبطاقة الممغنطة التي ستكون مشروعاً لتمديد آخر، وبالتالي مشروع مشكل مؤجل إلى ذلك الحين؟ إضافة إلى ذلك ثمة العديد من الانتقادات التي وجهت للقانون، من بينها تعارضه مع بعض مواد الدستور، كالمساواة بين اللبنانيين التي تنص عليها المادة 7، والتي لا يؤمن قانون الانتخاب احتراماً لها، علاوة على ما يمكن أن يحصل من التفاف على تطبيق النظام، عبر تحالفات وترك مقاعد شاغرة في بعض اللوائح لأطراف محددة ومعروفة سلفاً، إضافة إلى أن الواقع السياسي والاجتماعي، والاصطفاف الحاصل نتيجته، سيحصران المنافسة الحقيقية بين لائحتين، وستكون اللوائح الباقية مجرد ديكور انتخابي من الصعب عليها أن تتمكن من اختراق مقاعد محددة بذاتها.
في أي حال من الأحوال، تبقى هذه الخطوة رغم العثرات التي ستواجهها، قراراً متقدماً في خطوة الألف ميل نحو النسبية الكاملة التي تنتج عدالة واضحة في التمثيل، والأهم من ذلك كله إجراء الانتخابات وفقاً للمواعيد التي سيحددها القانون، وإلا ستكون تداعيات التمديد سبباً واضحاً في مشروع مشكل وطني من الصعب حصر آثاره الكارثية.Original Article