مكاسب ترامب الآسيوية
مفتاح شعيب
يعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بلاده بعد جولة أسبوعين قادته إلى دول شرقي آسيا، كانت حافلة بالقمم الجماعية والثنائية، اختتمها في الفلبين بالمشاركة في قمة «آسيان». وباستثناء توقيع صفقات ضخمة بربع تريليون دولار مع الصين، كانت النتائج السياسية عادية إجمالاً، رغم التناقضات البادية في المواقف الأمريكية التي عبرت عنها التصريحات، والبيانات، والتغريدات.
لقاء ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحد من المحطات البارزة، وهو لقاء لم يكن رسمياً، ولم يحمل تفاهمات تامة حول القضايا الخلافية بينهما، ما عدا البيان الخاص حول توافق البلدين على استحالة الحل العسكري في سوريا، وهو أمر ليس بجديد، وجرى التفاهم حوله منذ إدارة باراك أوباما السابقة. أما القضايا الخلافية الثانية فبقيت على حالها، ومنها أزمة كوريا الشمالية. وطيلة الأسبوعين ظلت مواقف ترامب، ومساعديه، حيال بيونج يانج تتراوح بين الترهيب والترغيب، فتارة يلمحون إلى أن الحرب واقعة لا محالة، وطوراً يقولون إن الحل السياسي هو السبيل لنزع فتيل التوتر. ويعكس هذا التضارب الأمريكي تأثراً بما يسمعه الوفد الرئاسي في محطات جولته من اليابان إلى كوريا الجنوبية، فالصين، وفيتنام، وصولاً إلى الفلبين. وبالإجمال، ليس هناك أي اختراق سياسي كبير، بل إن النتائج تعتبر تقليدية، وكانت تتحقق في زيارات الرؤساء الأمريكيين السابقين، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وإذا كان من إنجاز كبير حققه ترامب في جولته، فهو الاستماع الجيد إلى رأي الصين في كثير من النقاط المتصلة بالعلاقات الثنائية، والأزمات ذات الاهتمام المشترك، مثل النزاع في بحر الصين الجنوبي، وأزمة كوريا الشمالية، إضافة إلى الخلافات التجارية. ومن المحتمل أن لقاء ترامب والزعيم الصيني شي جين بينج قد حقق «تهدئة مؤقتة» بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. وبالنظر إلى البراجماتية التي يتمتع بها ترامب، فقد تكون نتائج القمة الأمريكية -الصينية عنواناً لمرحلة مقبلة من التعاون، تجبّ ما سبقها من علاقة كانت مبنية على الريبة المتبادلة، ولكنها لن تسقط في الرتابة. ففي ظل التقلبات وتضارب المصالح، يمكن أن تتغير السياسات، وتتبدل الأولويات. وفي العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، هناك قناعة بأن تأسيسها على التعاون سيحل كثيراً من أزمات منطقة شرقي آسيا، وفي صدارتها أزمة النووي لكوريا الشمالية.
وفي سلسلة من التغريدات المثيرة هاجم الرئيس الأمريكي من وصفهم ب«الحاقدين والأغبياء»، ودافع بشدة عن إقامة علاقة جيدة مع روسيا، مؤكداً أن موسكو بإمكانها أن تقدم مساعدات هائلة في حل المشكلات العالمية المختلفة. ويتضمن هذا الموقف اعترافاً بالدور الذي تلعبه روسيا في العالم، كما يتضمن اعترافاً آخر ضمنياً، بأن واشنطن لن تستطيع بمفردها أن تتصدى لهذه الأزمات، ولكن الدولة العميقة في الولايات المتحدة مازالت تؤمن بعقيدة القوة العظمى التي لا تحتاج إلى مساعدة من أحد. كما أنها لا تريد أن تنافسها قوة أخرى في السيطرة وتأمين المصالح. وحين يغرد ترامب ويصف مناوئيه ب«الأغبياء»، فهو واقعي، ولا يريد أن يحمل بلاده فوق طاقتها. ولن يكون مستغرباً أن يعود الرئيس الأمريكي إلى بيته الأبيض من جولته الآسيوية برؤى جديدة تكون هي مكسبه الحقيقي من الجولة، وربما تؤسس لعهده الفعلي، وإن كان ذلك قد تأخر نحو تسعة أشهر من تنصيبه رسمياً، رئيساً للولايات المتحدة.
chouaibmeftah@gmail.com