مليحة 2
يوسف أبولوز
مبادرة المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة التي أتاحت الفرصة لنحو ثلاثين صحفياًً لزيارة مليحة بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام ودفء مودته واستقباله الحميم لهذه المجموعة من المشتغلين في حقل الإعلام، هي مبادرة ذات شقين: الأول.. التعرف عن قرب إلى مليحة التاريخية الآثارية الجمالية، والثاني.. إتاحة الفرصة للصحفيين والإعلاميين للتعرف إلى بعضهم بعضاً، ومعاينة مدى استجابتهم لروح المكان في احتفالية «عائلية» تحمل مضموناً ثقافياً أيضاً.
حميمية اللقاء وتلقائيته وصدقه هي انعكاس على نحو ما لحميمية المكان الذي يُرى بأكثر من عين وأكثر من ثقافة وقراءة، فكل صحفي له خزين معرفة وله أسلوب قراءة، و«مليحة» التي تحمل لغة التاريخ تستحق أكثر من قراءة وبمستويات عدة: فالمكان من جانب هو آثاري عريق يقرأ من جانب المتخصص بأدوات الأثر الفاحصة لتاريخية المكان، وهو من جانب آخر جمالي، بيئي، سياحي، وبالتالي يُقرأ بأدوات فنية ذات صلة بالطبيعة.
نتحدث بهذه التفاصيل لأنها تقول نفسها لمن أصغى جيداً لروح المكان في «مليحة»، ومن ناحية عملية، فالتمهيد لمعرفة «مليحة» الآثارية التاريخية كان من «مركز مليحة» للآثار، وهو مركز معلومات كافية حول المنطقة مزود بشاشات عرض كمبيوترية صافية، والمركز بالفعل خزانة بصرية توثيقية تشرح المعلومة وتجسدها في نماذج ومجسمات وقطع آثارية تشكل نبض المكان وتفاصيله وهويته المعرفية.
مركز مليحة للآثار.. مركز تعليمي أيضاً، بكلمة ثانية يتيح للباحث المتخصص وطلاب المدارس ورجل الآثار ودارس التاريخ أن يتعرف نظرياً وعملياً إلى شواهد «مليحة» ومفرداتها الأرضية وعمقها الثقافي.
مباشرة بعد زيارة المركز أنت في قلب المكان وعمقه الصحراوي: حيث الرمل الذي يأخذ لون الذهب المطعم بصفرة حارة وحضور لوني برونزي يتماثل تماماً مع اللون الذهبي لغروب الشمس.
مشهد حي تماماً.. ناطق تماماً ببلاغة الحجر، وعبارة «بلاغة الحجر» ليست إنشائية أو انطباعية.. بل هي الحقيقة الجمالية لـ «مليحة» ومحيطها الرملي.
بلاغة الحجر تتمثل في التماثيل الحجرية التي نحتتها الطبيعة.. وبماذا؟؟ بالريح ونور الشمس والمطر وهفيف الرمل المسفوح دائماً نحو الحجر الذي يتحول إلى تمثال.
هذا جزء جمالي نهاري، ليلي مقتبس من المشهدية المتعددة الطبقات لـ «مليحة».. سرة الأثر وسره وخزانته.
«مليحة» بهذا المعنى، وبهذا الوصف هي كتابة لم تدون بعد، وإلى جانب أنها مكان إلهام معرفي.. هي أيضاً مكان إلهام أدبي..
y.abulouz@gmail.comOriginal Article