قضايا ودراسات

من المسؤول عن الشرخ الديني المذهبي؟

د. حياة الحويك عطية
هذا الشلال الجهنمي من الدم المهدور باسم الدين والمذهب، متى يتوقف ومن المسؤول عنه؟ لنترك التاريخ القديم ولنبدأ من بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975. ونسير مع تطوراتها، حتى المحاصصة الطائفية القائمة حالياً، والتي لا يجرؤ أحد على تجاوزها إلى دولة المواطنة، لأن جذورها الشيطانية باتت مستعصية على الاستئصال، ولا يجرؤ أحد على تخطي حدودها خوفاً من حافة الهاوية مرة أخرى. لنرى ماذا فعلته بلبنان، بسوريا وبالقضية الفلسطينية التي لم تعد قضية العرب الكبرى، وأصبح منتهى الانتصار فيها أن يحصل الأسرى، بعذاب مر، على ما يفترض أن يحصل عليه الصليب الأحمر بحكم شرعة حقوق الإنسان.
لننتقل إلى الشرخ السني- الشيعي الذي شطر العالم العربي والإسلامي من إسلام آباد وحتى بيروت، ولننظر ماذا فعل بكل ساحة في طريقه. وكيف كان رحماً لولادة الإرهاب الذي لا يعرف أحد طريق الخلاص منه، ولكن أبسط محلل يستطيع أن يرى كيف ترقص عملياته، كلها على إيقاع سياسي أعمق من مجرد الإرهاب. من تحريك الساحة السورية أو الليبية على إيقاع هذا الاتفاق أو هذا الخلاف، إلى تحريك الساحة المصرية ضد الأقباط، على إيقاع معاقبة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذا الموقف أو ذاك، وبالتحديد عدم القبول بالتورط. وفيما هو أبعد، يتحرك المشهد المصري على إيقاع تطورات سد النهضة، وموقع مصر كبوابة كبرى بين آسيا وإفريقيا، ومخطط تهجير المسيحيين بعامة من المشرق، وكله تحت مانشيت «معاريف» غداة احتلال العراق عام 2003: «أما مصر فهديتنا الكبرى».
من المسؤول عن هذا الجرح الذي تعمق حتى أصبح العظم تحته مكشوفاً؟ لنقارب الأمور بصراحة. اليوم تتكشف أبعاد الدور الذي لعبته قطر، لعبت دوراً كبيراً جداً في تعميق الشق المذهبي، وذلك عبر القنوات الثلاث التي كانت تستطيع التحرك عبرها: الإعلام بالدرجة الأولى وهي صاحبة الجزيرة، وصاحبة آلاف الضمائر التي اشترتها من «مثقفين!» وإعلاميين. والدبلوماسية بالدرجة الثانية ومعروف الدور الذي مضى من الجامعة العربية إلى اللعب في استثمارات وانتخابات أوروبا وغيرها، وبالدرجة الثالثة عبر المجموعات الإرهابية التي رعتها ومولتها وما زالت تحركها وعلى رأسها جبهة النصرة.
ولكن هل قطر هي صاحبة الاستراتيجية؟ أم أنها نفذت استراتيجية وضعها الاستراتيجي الأمريكي -الصهيوني. الأمريكي أطلق الشرارة غداة احتلال العراق بهدف أن يشغل العراقيين سنة بشيعة، يشغلهم عن مقاومة احتلاله ومشاريعه. ونجح الغباء والحقد والعقلية الثأرية أو المتسلطة في تمرير المخطط. لقد بدأت المقاومة ضد الاحتلال تحت شعار: «لا سنة ولا شيعة، هذا الوطن ما نبيعه». غير أن المحطات الإخبارية كانت تتجاهل هذا الشعار الذي رفعته التظاهرات الأولى لتصنف المتظاهرين: سنة، شيعة، عشائر كذا…وتطور الأمر ليصبح الصراع السني -الشيعي أقوى من الصراع ضد الاحتلال.
حتى في الساحة التونسية، ومن ثم الليبية، والمصرية وأخيراً السورية، حيث المأساة الكبرى، لم يكن الدور القطري بخاف على أحد.
ما جرى يكشف عن حجم مخيف من الجهل والتخلف والإجرام، وذلك يعيد أن العرب ما زالوا يعيشون في القرون الوسطى. وهنا السؤال: مسؤولية من؟ أم على صعيد السياسيين الذين لم يسعوا يوماً لتحمل المسؤولية بل إلى الهرب منها بصب الزيت على النار.
هل عمل السياسيون على فصل العلاقة مع العرب الشيعة أو العلوين، عن العلاقة مع إيران، فصل لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس دولة المواطنة؟.

hayathanna@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى