قضايا ودراسات

موسم الأمم المتحدة

بدأت نيويورك تستقطب الانتباه مع انطلاق الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تستقبل زعماء العالم وممثلي الدول لتتشكل أكبر قمة تستمر أسبوعاً كاملاً تبحث أهم القضايا الدولية المطروحة، وهي في العادة الملفات المألوفة وبعض المبادرات الاستعراضية. فهذا الموسم يلتئم كل سبتمبر في مهرجان خطابي تدلي فيه كل دولة برأيها ومواقفها، دون الخروج بقرارات ملزمة.
هذه الدورة لن تختلف عن سابقاتها، بل ربما تكون أقل حماساً من الدورات السابقة، ذلك أن عدداً من زعماء الدول الكبرى مثل روسيا وألمانيا والصين لن يحضروا، بينما سيكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نجم هذه الدورة، وعلى عادة أسلافه سيتقدم بمبادرة لإصلاح الأمم المتحدة، وهي قضية خلافية بين دول عديدة، وتطرح سنوياً من دون التوافق على صيغة عملية، شأنها شأن القضايا الحاضرة في كل عام مثل مواجهة الإرهاب، والحد من الانتشار النووي، والنزاعات المزمنة، والتغير المناخي، وقضايا التجارة والطاقة، والعلاقات بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب. وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة تنعقد مؤتمرات وحوارات إعلامية صاخبة تتناول بالنقد والتحليل خطابات الزعماء أو من يمثلهم في محاولة لاستشراف نتائج هذه الدورة وتأثيراتها في الوضع الدولي.
المقدمات الأولية لا تشير إلى أي تحول يمكن أن يطرأ، فالأزمات والقضايا المثيرة للجدل ستبقى على حالها ولا تجد لها هذه الدورة الأممية حلولاً. وحيال قضية مثل مكافحة الإرهاب أو فلسطين أو التهديد النووي الكوري الشمالي لن يقال شيء مختلف عما كان يقال في المحافل والمؤتمرات. ويشهد منبر الأمم المتحدة أنه على موعد سنوي من النبرة ذاتها، فالتنديد بالإرهاب ودعوة القوى كافة إلى التعاون على مواجهته ستتكرر، مع التنويه بالانتصارات التي تحققت على التنظيمات المتطرفة، ومنها «داعش»، في سوريا والعراق. وبالنسبة إلى كوريا الشمالية فستكون هذه الدولة «المارقة» محط غضب كل دول العالم تقريباً بسبب ما تفتعله من إزعاج وتهديد للأمن والسلام. وفلسطين أيضاً لن تكون غائبة، وستحضر بنفس الخطابات والتصورات عن «حل الدولتين» والدعوة إلى إنهاء الاستيطان، من دون تقديم تعهدات حاسمة بالمساعدة على حل هذه القضية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاضطهاد.
مشكلة اجتماعات الأمم المتحدة أن دوراتها المتوالية لا تقدم ولا تؤخر في أغلب القضايا الحاسمة، لأن القرارات المصيرية تتخذ خارج هذا الفضاء ضمن اتفاقيات وتفاهمات تبرم من الدول الفاعلة، ثم يطلب من الأمم المتحدة أن تمنحها صفة الشرعية، وهو ما أضر بهذه المنظمة وضرب مصداقيتها في الصميم. ولذلك لم تعد تحظى بالمصداقية المفترض أن تلازمها وتكون مبدأ سامياً لا تحيد عنه. وفي هذه الدورة تم اختيار شعار «التركيز على الإنسان والنضال من أجل السلام والحياة وفق المعايير الإنسانية»، وهو عنوان لا خلاف على وجاهته وضرورته، ولكن في الواقع لا يحدث شيء من ذلك بسبب غلبة المصالح على المبادئ وأسبقية العلاقات الخاصة على الروابط الإنسانية العامة، ومع توالي الأحداث والشواهد تتعمق المفارقة وتكبر.
من يطالب بضرورة إصلاح الأمم المتحدة، مثل ترامب أو أمين عام المنظمة أنطونيو غوتيريس، على حق لأن الهدف مطلوب لاستدامة المنظمة ودوام ثقة البشرية، ولكنه هدف لن يتحقق، فالخلافات حول الأسس والثوابت الضرورية للإصلاح، أصبحت لا تحصى ووصلت في كثير من الأحيان إلى التشكيك في وجود هذه المنظمة والذهاب إلى اعتبارها شيئاً من التاريخ لم يعد ينفع في الحاضر.
مفتاح شعيب
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى