قضايا ودراسات

ميانمار والتطرف

بول فولر*

توجد الآن في ميانمار صيغة من البوذية المتطرفة، التي تدعم على الأرجح تفوّق البوذية، ويمكن أن تكون معادية للإسلام، متمحْورة حول العِرق، وشوفينية في تعاليمها.
ثمة أزمة إنسانية طاحنة جارية في ميانمار، تتمحوَر حول مسلمي الروهينجا. وهنالك ما وُصف بأنه: «حالة نموذجية للتطهير العرقي» الذي يمارَس على ما يقرُب من مليون من الروهينجا، الذين يعيشون في ولاية راخين غربي ميانمار. هذا إلى جانب عمليات الثأر، التي يقوم بها جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان، الذي اعتبره الجيش البورمي مسؤولاً عن مهاجمة عدد من مواقع الشرطة والجيش. وهنالك أيضاً ما كان يُنظر إليه باعتباره ديمقراطية ناشئة، مع قيام شخصية عالمية بارزة، هي أونغ سان سو كيي، مستشارة الدولة في ميانمار، وزعيمة البلاد بحكم الواقع، بتوجيه البلاد على خلفية قومية بوذية معادية للإسلام.
وغالباً ما يُعتبَر البوذيون في نظر الغرب، أناساً مسالمين، ولذا فإن السماع بمثل هذا النوع من التحامل العام، قد يأتي بمثابة الصدمة لكثيرين. ولكن النظر إليه من منظور ثقافي بوذي، يمكّن المرء من البدء في إدراك أسباب حدوث ذلك.
وقد لجأت سو كيي إلى استخدام عقيدتها البوذية لشرح أفكارها في الماضي، ولكنها استخدمت بعض الخطاب البوذي المعياري للمرة الأولى في تعليقاتها على الأحداث الأخيرة، فقط في خطاب متلفز، موجّه للأمة البورمية، ألقته في منتصف أكتوبر/‏تشرين الأول 2017. وقد استشهدت سو كيي في ذلك الخطاب، بالمبادئ البوذية، مبادئ «العطف»، «واللطف الودود»، «والفرح المتعاطف»، للتغلب على الكراهية. وأوضح مستشار مقرب فيما بعدُ، لوسائل الإعلام، أن خطاب سو كيي، يشكل محاولة لانتزاع البوذية من «أيدي المتطرفين».
ويمكن للمرء القول إن المشاعر البوذية التي عبّرت عنها سو كيي في خطابها، تتفق مع الفهم الغربي للبوذية. ولكن النظر بعمق في واقع آسيا الحديثة، يقود المرء إلى الاعتقاد بأن التصورات الغربية ليست دقيقة بشكل كامل. فهنالك الآن صيغة من البوذية المتطرفة، التي تدعم على الأرجح تفوق البوذية، ويمكن أن تكون معادية للإسلام، متمحْورة حول العِرق، وشوفينية في تعاليمها.
وهذه بوذية بعيدة كل البُعد عن البوذية الرومنطيقية المسالمة، التأملية والرحيمة، الكامنة في التصورات الشعبية، وفي معظم التاريخ البوذي على حدِّ ما يأمل المرء. وهي بوذية يتعين فيها حماية الديانة البوذية من الخطر المزعوم للأديان الأخرى (وأبرزها الإسلام)، الذي يجتاح ميانمار .
وهذه البوذية، التي يقودها الراهب أشين ويراثو، المقيم في مَندَلاي، دين يشن حملات لمعاقبة مَن يسيئون للبوذية. وتلتف هذه الأفكار البوذية القومية، في صيغتها المنظمة في ميانمار، حول جماعة معروفة شعبياً باسم ماباتا؛ منظمة حماية العِرق والدين. وترتبط المعركة بين صيغتي البوذية الناشئتين في ميانمار الحديثة، بمبدأين أساسيين، من مبادئ هذه الديانة. والصيغة الأولى، هي البوذية المألوفة، بوذية السكينة، والزهد في المباهج، والتعاطف.
وكان بوسع المرء، حتى وقت قريب، أن يقول إن هذه الصيغة كانت سائدة داخل ميانمار. وكانت حركات التأمل الشعبية مهمة في تنشيط البوذية الحديثة، كما أن جوانب من التأمل الذهني الشعبي تنبع منها. وكانت «ثورة الزعفران» عام 2007، تبدي القليل من القومية العدوانية التي تتبنّاها حركة ماباتا، حيث كان الرهبان يستحضرون «الخطاب حول المحبة الطيبة»، باعتبارها طريقاً بوذياً رحيماً لإسقاط الحكم العسكري.
والصيغة الأخرى من البوذية، ذات تركيز أكثر طقوسية، وعلى حساب المجازفة في الإفراط في التبسيط، تقوم هذه الممارسة على أداء الطقوس الشخصية والوطنية، من أجل حماية المجتمع من الخطر.
وسيكون من الإفراط في التبسيط، المحاججة بأن التعاليم البوذية، تتعارض على نحو لا سبيل للتوفيق فيه، مع أفكار القومية والوطنية. ومع ذلك، فإن شعوراً بالتفوق والتمييز ضدّ جماعات الأقليات يبدو بالفعل غير قابل للدفاع عنه، من وجهة نظر بوذية. فهل يمكن أن يكون خطاب سو كيي، وفكرة أنها ترغب في استخدام التعاليم البوذية بطريقة تتعارض مع القومية البوذية، اعترافاً بأن البوذية تحتاج إلى أن تصبح جزءاً من الحلّ في ميانمار الحديثة، بدلاً من أن تكون رمزاً عدوانياً يستخدمه القوميون البوذيون؟
إذا كان لميانمار أن تخرج من الحكم العسكري وتصبح دولة ديمقراطية حديثة، فإنه يجب عليها أن تنقذ بوذيتها من الوقوع في التطرف. وإذا كانت الهوية البوذية تتمحور حول نظرة ضيقة متصلبة، لما يعنيه كون الشخص بورمياً، فمن المرجح أن تصبح البوذية صيغة لديانة ترعاها الدولة، ويدعمها الجيش. وليس في هذا النوع من البوذية ما يضير بصورة أساسية، ولكن من الواضح أنها تولد نوعاً من الحماس القومي، وأن الفظائع ترتكب ويجري تبريرها.

*محاضر في الدراسات البوذية بجامعة كاردف – موقع: ذي كنفرسيشن.


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى