قضايا ودراسات

نزيف يبحث عن ضماد

خيري منصور

البديل لغياب المعلومات والشفافية في أية قضية هو محاولة الاستنتاج من خلال استقراء المقدمات والقرائن مما يتيح لكل صاحب قلم أو دلو أن يجرب حظه. وفي واقعنا العربي هناك مشاهد عديدة وكذلك مفاهيم سائدة تتطلب فك اشتباك، كي لا يكون البقر كله أسود في الظلام كما يقول هيجل!
وقد مر العرب بأزمات وحروب كان المخفي منها أضعاف المرئي، ومنها ما اتضحت تفاصيله بعد فوات الأوان ،سواء من خلال مذكرات سياسية أو الكشف عن وثائق مخبأة في الأدراج!
ما يحدث عربياً هو باختصار نزيف قومي من كل الخاصرات، وتبديد لطاقات مادية وبشرية لو كان لها مسار آخر وبوصلة أخرى لأصبح العرب المعاصرون قوة دولية فاعلة وذات شأن.
وإذا كان أول إسعاف للنزيف هو الضماد، فإن المنوط بهم التضميد والعلاج العاجل هم من النخب التي فقدت إرادتها ودورها في كرنفال الاستقطاب، ومن الواضح أن الحسابات الشخصية الضيقة تتفوق على أية حسابات قومية ومستقبلية.
والشعار هو أحيني اليوم وأمتني غداً! وأحياناً يصبح الشعار غير المعلن ليأت من بعدنا الطوفان!
والعربي الباقي على قيد ذاكرته وتاريخه حتى لو كان الأخير لا يمكن له أن يساهم في زيادة النزيف ،هذا إذا استطاع ذلك، لأن العربي الآن كما وصفه المتنبي ذات زمن عسير تكسرت النصال على النصال في جسده المثخن بالجراح!
وكما في كل أزمة أو ضائقة تمر بنا نفتقد النخبة التي تحتكم إلى ضمائرها أولاً وأخيراً، ولا تعرض مهاراتها للإيجار!
المطلوب عربياً الآن هو إيقاف النزيف ، فالتاريخ له أيضاً طوارئ وغرف إنعاش! لأن ما نخسره في أي شبر من هذا الوطن الذي كان يمتد بين ماءين وأصبح يمتد بين الدماء يخصنا جميعاً وينال من مستقبل أحفاد أحفادنا!
ومن يقرأ التاريخ ولا يتصفحه عمودياً فقط يعرف أن العرب مروا بما هو أسوأ وسال لعاب الطامعين بهم على كل الثغور، لكنهم عبروا العصور واستعادوا العافية!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى