قضايا ودراسات

نقطة تحول في العلاقات الأطلسية

سؤال، كيف تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي ومستقبله، وبالذات إلى حرص بعض القادة الأوروبيين على امتلاك ما يسمى ب «هوية أمنية مستقلة» عن الولايات المتحدة؟، أي (خارج إطار حلف «شمال الأطلسي»)، ليس جديداً بالنسبة للأمريكيين، فقد شهدت سنوات الصعود الأمريكي إلى قمة النظام العالمي عقب سقوط الاتحاد السوفييتي في أوائل عقد التسعينات جنوحاً أمريكياً لدى تيار المحافظين الجدد الأمريكيين لفرض أمريكا قوة إمبراطورية، ونشروا وثيقة تضمنت بعض التوصيات بهذا الخصوص كان من أهم بنودها منع الاتحاد الأوروبي من امتلاك قدرات عسكرية مستقلة وهوية أمنية مستقلة عن الولايات المتحدة، والحيلولة دون صعود الاتحاد الأوروبي أو اليابان كقوى اقتصادية قادرة على منافسة الولايات المتحدة، ومنع روسيا من الصعود مرة ثانية بعد كبوتها والحيلولة دون تمكينها من العودة مجدداً للمنافسة على الزعامة العالمية.
هذه التخوفات الأمريكية من الصعود الأوروبي أو الاستقلالية الأوروبية كان دافعها وجود إدراك أمريكي في ذلك الوقت مفاده أنه بعد انتهاء الخطر السوفييتي، وتفكك حلف وارسو فإن أوروبا قد تجد نفسها غير معنية بالبقاء تحت الهيمنة العسكرية الأمريكية التي تحولت أيضاً إلى هيمنة سياسية؛ لذلك كانت تلك الوثيقة تعد خطوة استباقية لمنع أوروبا من اتخاذ خطوات استقلالية عن السيطرة الأمريكية والإبقاء على حلف الناتو قوياً وخياراً أحادياً دون بديل آخر ينافسه بالنسبة للشركاء الأوروبيين.
الآن الأوضاع تتبدل فالإدارة الأمريكية الجديدة هي التي تتشكك في مكانة حلف الناتو، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو الذي صرح في حملته الانتخابية، بأن الحلف أصبح من الماضي أو أنه لم يعد جديراً بالمستقبل، وتحدث عن ضرورة بحث أمريكا عن مصالحها بعيداً عن الهموم الأوروبية، الأمر الذي أثار حفيظة الدول الأوروبية الكبرى خاصة ألمانيا وفرنسا، في حين أن بريطانيا قد اختارت الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي كان مثار ترحيب الرئيس الأمريكي.
في جولة الرئيس ترامب الأخيرة تحولت الهواجس إلى حقائق، ووجد الأوروبيون أنفسهم أمام الواقع وصدماته، إثر تصريحات مثيرة أدلى بها الرئيس الأمريكي في اجتماعه مع قادة حلف شمال الأطلسي في بروكسل وفي اجتماعه مع قادة الدول الصناعية في جزيرة صقلية الإيطالية.
فخلال مشاركته في قمة الدول الصناعية السبع بمدينة تارومينا في جزيرة صقلية الإيطالية (2017/5/26) جدد ترامب انتقاده لشركاء بلاده في حلف شمال الأطلسي، لفشلهم في رفع موازناتهم المخصصة للإنفاق العسكري، كما تردد في إبداء الدعم لاتفاق الدفاع المشترك بين الدول الكبرى، الذي جرى تفعيله مرة واحدة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، كما أنه انسحب من اتفاقية باريس لخفض الانبعاث الحراري، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة لدى الحلفاء الأوروبيين خاصة لدى ألمانيا وفرنسا.
تصريحات المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل على مواقف ترامب جاءت بمثابة «نقطة تحول» في مسار العلاقات الأوروبية – الأمريكية، خاصة بعد أن أكدت التزام أوروبا «تقرير مصيرها» وعن «نهاية فرض الاعتماد على الحلفاء».
هذا الموقف الألماني كانت له أصداؤه الأوروبية، خاصة دعوة المستشارة ميركل إلى أن تصبح أوروبا « لاعباً نشطاً على الساحة الدولية» على نحو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيليوني بقوله: «نحن بالتأكيد نشاطر فكرة أن يكون مستقبل أوروبا بين أيدينا؛ لأن التحديات العالمية تفرض ذلك».
هذا التحول الأوروبي سيقود إلى تطورات مهمة في إدارة النظام العالمي، وربما يدعم الدعوة الروسية المدعومة من الصين إلى «التعددية القطبية» أي تأسيس نظام عالمي متعدد الأقطاب، ما يعني تقليص الدور الأمريكي في السياسة العالمية.
د. محمد السعيد إدريس
msiidries@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى