قضايا ودراسات

هذا الزمن الجميل

الثاني من الشهر الفضيل، لكنه يوم العمل الأول في رمضان، فهلا شددنا على قيمة العمل ونحن في رحاب الأيام المباركة الأولى. تناولنا بالأمس أمة رمضان مقرونة بقيم رمضان الكبرى، واليوم نتناول قيمة العمل مقرونة بقيمة التضحية. أولاً لا يدل تقصير مدة الدوام على قلة انتظام أو إنتاج، والمطلوب إشغال ساعات دوام رمضان بكل انشغال جاد، وعدم التحجج برمضان والصوم في أي تقصير، فضلاً عما يتسم به البعض في الصباحات الرمضانية من سمات الغضب والعصبية والتجهم، ما يؤثر على علاقته بالأسرة ورفاق الطريق وزملاء العمل، والبدهي أن هذه الأخلاق ليست من أخلاق رمضان، وليست من أخلاق المسلم أو الإنسان في كل زمان ومكان، وهل الإسلام إلا الإنسانية في التجلي الأسمى؟ أخلاق رمضان هي الموضوعية والتواضع والتعامل الحسن، وغير ذلك مما يكمل جانب العبادات ويتكامل معه، فالدين المعاملة، المعاملة تعكس علاقة المرء مع دينه عبر العلاقة مع الآخر القريب والبعيد.
ما يقال موجهاً إلى الموظف هنا يقال أيضاً، بالقدر نفسه وأكثر، موجهاً إلى القيادي والمسؤول، ويقال موجهاً إلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور، حيث تحقيق القدوة الحسنة أمر واجب، وهو بعض أخلاق رمضان الذي هو شهر المكارم بأصنافها وميادينها كافة. على هؤلاء خصوصاً تحقيق القدوة في كل الأزمنة، فكيف بزمان رمضان، وهو زمان مخاطبة الأجمل في الإنسان؟
والأجمل اعتبار هذا الزمن الجميل، زمن رمضان، مرحلة نشاط حقيقي بكل معاني العبارة، فلا معنى لحالة السبات التي يدخل فيها البعض، مؤسسات وأفراداً، في رمضان، الأمر الذي يوحي بأن رمضان لا يصلح للنشاط، أو أنه شهر كسل وتأجيل، مما لا يستقيم مع الفكرة أصلاً، وَمما لا ينسجم مع تاريخ الشهر الكريم الحافل بالمكارم والعزائم. لا حاجة هنا للتذكير بما أضاء ويضيء ذاكرتنا الجمعية من طموحات ومنجزات وانتصارات رمضان، والقصد أن نتحلى بروح التحدي والإصرار والمثابرة والأمل في كل أزمنتنا، وفي زمن رمضان خصوصاً، حيث يمكن استحضار ذلك التاريخ نحو حضور ذلك الوجدان الذي يجمعنا، لا محالة، في بساتين وجده، ويعدنا لمواسم وعده.
في الحالة الإماراتية، يلفت النظر نشاط مؤسسات في الثقافة والمجتمع لا ينقطع في رمضان، بل ربما زاد وتألق، كما يلفت النظر دخول بعضها، طائعاً مختاراً، في دائرة الغياب، وفي كل خير، لكن الأولى تمثل معنى رمضان وأصل مشروعيته، فهو شهر العمل وزمن التضحية، وهو موسم للنشاط، هكذا كان في إرثنا الديني والوطني والحضاري، وكذلك يجب أن يظل.
وحتى يظل، فيجب أن يبقى سؤال إشغال الوقت في رمضان مستيقظاً، وقت الأسرة والمجتمع، ووقت الطلاب والشباب. الأكيد أن هنالك ما يشغل من الممتع المفيد، قريباً من المعرفة والقراءة واللقاء وصلة الرحم بالضرورة، وليس قريباً من النت والتلفزيون بالضرورة.

ابن الديرة
ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى