قضايا ودراسات

هل تتجدد حروب القوى الكبرى في العالم؟

عاطف الغمري
عندما تصاعدت المواجهة بين أمريكا وكوريا الشمالية – حتى ولو بقيت في حدود صراع سنوات الحرب الباردة – مع تهديد أمريكي بأن الخيار العسكري سيظل احتمالاً قائماً، والرد عليها من كوريا الشمالية بضربات نووية، فإن المهتمين بالتوجهات الاستراتيجية في أمريكا، ركزوا أنظارهم على افتراض، بأنه إذا استمر الصراع على النفوذ بين القوى الدولية، خلال السنوات القليلة القادمة، فإن أكبر التحديات لعلاقات هذه القوى، وللولايات المتحدة تحديداً، سوف يتمثل في تراجع الشعور بالاطمئنان الذي تواجد بعد انتهاء الحرب الباردة، بأن عصر حروب القوى الكبرى في العالم، قد انتهى.
ساد الاعتقاد منذ نهاية الحرب الباردة، لدى خبراء الاستراتيجية العالمية في الولايات المتحدة، بأن كل شيء يسير لصالحها، وبالتالي فإن العودة إلى تصعيد التوترات بين القوى الدولية، بدءاً من الاحتكاك بين حلف ال«ناتو» وروسيا في أوروبا، وبين الولايات المتحدة والصين في شرق آسيا، قد بعث من جديد التوقعات بأن السعي للنفوذ العالمي والإقليمي، قد يعوق العولمة، التي ربطت هذه القوى معا، بروابط المصالح المشتركة، أو يدفع القوى الكبرى على الأقل، إلى التباطؤ في إيقاع خطط التبادلية الاقتصادية، في السياسة الخارجية.
وكما يقول تي هامر في كتابه الصادر حديثاً «نهاية العولمة: تعقيدات الأمن الأمريكي»، إنه إذا استمر تصاعد التوتر الأمريكي الصيني، كما كانت بوادره قد لاحت، في الفترة الأولى من رئاسة ترامب، فإن السؤال الذي أصبح مسيطراً الآن، هو إلى أي مدى سيؤثر ذلك على العلاقات التجارية، والاقتصادية، التي اتسعت بين البلدين في السنوات القليلة الماضية؟
وينبغي أن ندرك أن السياسة الأمريكية ظلت داعمة لتيارات العولمة. ومن ثم فإن أي تراجع فيها، سوف يعقد البعد الاقتصادي في السياسة الخارجية الأمريكية، منذ أن صارت العولمة، من مبادئها في عصر ما بعد الحرب الباردة.
وكانت الاستراتيجية الأمريكية، منذ نهاية الحرب الباردة، متغلغلة بجذورها، في تصورات راسخة، بأن الاتجاه الذي يسير فيه الوضع العالمي مهيئ للهيمنة الأمريكية.
والآن فإن موازين القوى الدولية تتغير، سياسياً، واقتصادياً، ومعلوماتياً، بإيقاع أسرع كثيراً عما كان عليه الحال في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة، بحيث دخلت أمريكا في مناخ دولي سوف يشهد حالة من المنافسة معها، وانتقاصاً من اطمئنانها بشأن ما هو قادم مستقبلا.
وسوف يعتمد مصير الاستراتيجية الأمريكية بدرجة كبيرة، على ما إذا كانت واشنطن تستطيع المحافظة على تفوقها عسكرياً، في مواجهة تحديات متزايدة، والحيلولة دون تدني قوة حلفائها التقليديين، بإقامة شراكات متعددة، مع عدد مضاف من الدول القادرة على مواجهة التحديات التي تواجهها، وما إذا كانت ستتواءم مع العولمة، وليس رفضها وإنكارها.
وحسب ما جاء في تقرير لمركز «بيو» الأمريكي لاستطلاعات الرأي العام، بعنوان «الاستقطاب السياسي بين الرأي العام الأمريكي»، فإن النظام السياسي في الولايات المتحدة، أصبح أقل قدرة على صياغة استراتيجية عالمية جيدة، تضمن لها التفوق العسكري المطلق.
يرتبط بذلك كله أن التوجهات الأولية لترامب تتصادم مع كثير من المبادئ المستقرة لعشرات السنين في الاستراتيجية الأمريكية، والتي صنعتها النخبة، التي اتخذ منها ترامب موقفاً تصادمياً. لكن عدداً لا بأس به من المحللين القريبين من صناعة القرار، يرون أن التصعيد في اللهجة العسكرية لترامب، وإن كان يلقى صدىً مؤيداً من جانب تيار من الرأي العام والنخبة، لاستعادة قدرات التفوق عسكرياً، إلا أنه يتناقض، في نفس الوقت، مع رغبات أخرى لدى الكثيرين بشأن الإبقاء على العولمة، والاعتراف بمزايا التبادلية الاقتصادية في السياسة الخارجية. وهو ما يتطلب الابتعاد عن تصعيد المواجهة مع القوى الدولية.
المشهد شديد التعقيد، لأنه يحتاج إلى التوفيق بين متناقضات، وإعادة ترتيب أولوياتها، والمعتقد أن الأجندة السياسية العالمية لترامب، لن تستقر عند خطوط توجهاته الأولى، لكنها ستجد نفسها تحت ضغوط من قوى داخلية عديدة ومؤثرة، تدفعه لاستلهام بعض من مبادئ الفكر السياسي الذي وضعته النخبة، خاصة وأنه لا خلاف بينهما من حيث المبدأ، على مفهوم الهيمنة والتفوق العسكري عالمياً. ومعنى ذلك أن إدارة ترامب بعد مرور المئة يوم الأولى له في الحكم، لا بد أن تمر بعملية إعادة صياغة لأفكاره بشكل أكثر تحديداً ووضوحاً.
ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافةOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى