قضايا ودراسات

هل تتفاقم الهجمات الإلكترونية؟

ديبا كوندور
ليست الهجمات الإلكترونية بالأمر الجديد، والتهديدات موجودة دوماً. وقد ابتُكِرت دفاعات لمواجهتها. ولا يرجع ذلك إلى التكنولوجيا الحديثة فقط، بل هذه هي سنة الطبيعة البشرية.
التكنولوجيا تصف الطريقة التي يمكن تطبيق الهجمات بها، وتأثيرها في حياتنا. وقد أتاح تطوّرنا واعتمادنا على تكنولوجيا المعلومات فرصاً لم يسبق لها مثيل لمعرفة ما يدور حولنا، والتواصل والترابط العالمي، واتخاذ القرارات عن بعد، في حين أن هذه التطورات ذاتها، كما نشهد اليوم، يمكن استغلالها من قِبل أطراف ضالة.
ويشكل الأمن السيبراني في المستقبل المنظور، مشكلة دائمة، لأن الابتكار التكنولوجي يفوق إدارة المخاطر. ولا يوجد هنالك إصلاح سريع وحيد، ولكنّ من غير الواقعي أن نعيق سير التقدم، واتخاذ ذلك حلاًّ لحماية أنفسنا. ويبرهن مجرمو الإنترنت مراراً وتكراراً أنهم أكثر مرونة من الناحية التقنية، لأنهم لا يتقيّدون بأي ضوابط. والهجمات السيبرانية اليوم خفيّة، متعددة الأشكال والأطوار، ومثابرة. وهذا يعني وجود صعوبة متزايدة في الكشف عن انتشارها وتتبُّع توالدها. ويقوم منفذوها بعمليات استطلاع، وجمع بيانات مهمة عن نظم المعلومات التي يتسللون إليها من أجل التدمير الاستراتيجي. وتزدهر هذه الأشكال من الهجوم على ضعف إدارة شبكات البنى التحتية، واستغلال محدودية معرفة الناس ووضوحهم، للانتشار والتغلغل دون أن تُكتشف.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستستمر الهجمات السيبرانية في التفاقم؟ على المدى القصير، نعم. فمشهد الخطر يتغير باستمرار، وأفضل ممارسات تخفيف المخاطر ليست ناضجة. ومن المرجح إنشاء توازن بين الهجوم والدفاع، ولكنّ كيفية تعاملنا مع الأمن السيبراني الآن، سوف تؤثر في نوعية هذا التوازن- هل سيكون في بيئة استباقية مفتوحة، أم سيكون توازناً خاضعاً للرقابة ورجعياً؟.
ومن جهة أخرى: ما الذي يجب القيام به؟ وفي معرض الإجابة، نقول، إن التنسيق بالغ الأهمية. والابتكار ضروري. والتعليم أمرٌ جوهري.
يجب أن يكون هنالك تحوُّل ثقافي، يرى فيه جميع أصحاب المصلحة تكامل تكنولوجيا المعلومات واعتمادها على بعضها البعض، بإحساس كلي، حيث يكون الأمن السيبراني عملية ضرورية ومستمرة. وينطوي ذلك على الاعتراف بأن الهجمات السيبرانية أمرٌ مفروغ من حدوثه، وأن الاهتمام ينبغي أن ينصب على توقع وقت حدوثه. ويجب على جميع أصحاب المصلحة إعطاء الأولوية للأصول الحساسة، وتطوير استراتيجيات للحماية، وإدارة الأزمة والتعافي والانتعاش. كما يُعَدُّ بذل جهود أكثر تنسيقاً من جانب المطورين التكنولوجيين، والمستهلكين، والمشرعين لتحقيق هدف الأمن المشترك، أمراً جوهرياً. وينطوي ذلك على تمكين جميع ذوي المصلحة، ولا سيّما المواطنين الأفراد، لفهم كيفية حماية أنفسهم والمساعدة على الحدّ من انتشار الهجوم إلى الآخرين.
وعلاوة على ذلك، نحن في حاجة إلى تطوير أدوات وتقنيات لتسهيل التعرف إلى الترابط بين الأنظمة السيبرانية والفيزيائية والاجتماعية، بالإضافة إلى الفهم الأفضل، والتنبؤ بالهجمات السيبرانية على هذه المجالات والتخفيف من آثارها. ويَعِد تعليم الآلة والذكاء الاصطناعي بآفاق مشرقة لهذه المهمة. ويتيح المجال متعدد التخصصات لهندسة الأنظمة السيبرانية – الفيزيائية – الاجتماعية فهماً أشمل للبنى التحتية التي نعتمد عليها اليوم لتعزيز قدرتها على الصمود.
وينبغي أن يعكس التعليم هذه الحاجات الناشئة. ويجب تدريب الطلاب على مواجهة التحديات التقنية التي لا توجد بعد. ونحن نشهد الآن تقارباً بين المجالات التي كانت ضعيفة الترابط سابقاً، بما في ذلك مجال المعلومات، والتكنولوجيا التشغيلية والاستهلاكية، ومن ثمَّ، فإن وجهات النظر متعددة التخصصات مهمة. ويجب تعليم قوة العمل المستقبلية تطبيق المعرفة الموجودة بسرعة على المجالات المختلفة، واكتساب معرفة جديدة سريعاً.
ومن الطبيعة البشرية أن تتغلب على العقبات وتزدهر، وأنا على ثقة بأننا نملك الأساس الصلب لدخول عالم جديد شجاع قادر على الصمود في الفضاء السيبراني.

* أستاذة في الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب، متخصصة في الأمن السيبراني. موقع: صحيفة «ذي غلوب اند ميل» الكندية.


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى