قضايا ودراسات

هل تستطيع ألمانيا الدفاع عن أوروبا؟

سلفاتور بابونز*
هل تملك ألمانيا مقومات الدفاع عن أوروبا، إذا تخلت الولايات المتحدة عن القيام بهذا الدور، بسبب تخلف بعض الدول الأوروبية عن تلبية شروط الرئيس دونالد ترامب؟
أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مجدّداً، موقفها باعتبارها البطل الخارق غير المتوقع، للنخب الليبرالية في أوروبا. وقد وجهت المستشارة الموجودة في السلطة منذ 12 عاماً، والتي تواجه انتخابات صعبة في سبتمبر/ أيلول، انتقاداتها اللاذعة للرجل الأقل شعبية في أوروبا: دونالد ترامب.
ووجهت ميركل الخارجة للتوّ من قمة مجموعة السبع، كلاماً مستفزّاً لترامب، أكسبها أصدقاء ليبراليين في جميع أنحاء العالم. في تجمّع انتخابي في ميونيخ يوم الأحد، 28/5، أعلنت أن «الأوقات التى كان يمكن أن نعتمد فيها بشكل كامل على الآخرين، قد ولّت، إلى حدٍّ ما – وقد لمستُ ذلك في الأيام القليلة الماضية». الأيام القليلة الماضية، أي اللقاء مع ترامب.
ليس هذا خطاباً مثيراً، بالتأكيد، ولكن العالم أدرك ما ترمي إليه. فقد ظهرت عناوين أخبار مفزعة عن تفكك نظام ما بعد الحرب في جميع أنحاء العالم. وحتى في الولايات المتحدة كان هنالك حديث عن «فقدان الولايات المتحدة »أقرب وأقدم حلفائها. ولكن الإطراء الأممي الليبرالي لميركل أخطأ في إدراك جوهر الأمر مرتين. أولاً، أن ألمانيا ليست بين«أقرب وأقدم حلفاء» أمريكا. ذلك الشرف يذهب قطعاً للمملكة المتحدة. وثانياً، أن ميركل لم تخصّ الولايات المتحدة وحدها بالحديث. قالت إن أوروبا لا يمكن أن تعتمد بعد الآن على الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة من أجل أمنها.
وبعبارة أخرى، لم تكن ميركل تعلن استقلالها عن ترامب فقط. كانت تعلن الاستقلال عن تيريزا ماي أيضاً. ولكن هل تستطيع ألمانيا نفسها الدفاع عن أوروبا؟ وحتى لو كانت تستطيع، فهل تريد أوروبا منها أن تفعل ذلك؟
الجواب الأرجح عن كلا السؤالين هو«كلا». فمنذ إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، أصبحت القوات الألمانية التي كانت جبارة ذات يوم، مشهورة بانخفاض مستويات جاهزيتها. وأقل من نصف طائراتها القتالية جاهزة للعمل في أي وقت من الأوقات. كما تتطلب قوات الدبابات في ألمانيا تحديثاً جدّياً لن يكتمل قبل عام 2023.
والوضع السياسي الدولي لألمانيا ليس أفضل بكثير. فمطالبات ميركل بسياسات التقشف في اقتصادات منطقة اليورو الأضعف، جعلت ألمانيا غير شعبية للغاية بين شرائح كبيرة من السكان في دول الناتو الأمامية مثل اليونان، إيطاليا وإسبانيا. وتتحمل هذه الدول الآن وطأة أزمة اللاجئين الناجمة عن دعوة ميركل المفتوحة عام 2012 للاجئين السوريين.
وليست الأمور أفضل على الجبهة الشرقية لأوروبا، حيث تعرضت الأحزاب الحاكمة في بولندا، والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا للتقريع من قبل الليبراليين الأوروبيين أنفسهم الذين يتطلعون إلى ميركل من أجل القيادة. وإذا كان قادة هذه الدول قد بدأوا مغازلة فلاديمير بوتين في السنوات الأخيرة، فليس ذلك حُبّاً بروسيا. بل خوفاً من بروكسل- وبرلين.
وهنالك أيضاً تركيا، العضو الاسمي في الناتو، الذي يتبع على نحو متزايد طريقته الخاصة في الدفاع، والذي يقيم رئيسه رجب طيب أردوغان علاقة فاترة مع أنجيلا ميركل، قائمة على الصفقات المتبادلة.
والحقيقة البسيطة هي أن دول أوروبا الشرقية عندما تلتمس دعم الناتو لتعزيز حدودها مع روسيا، فليست الالتزامات الألمانية هي التي تريدها، بل الالتزامات الأمريكية. وألمانيا لا تعتبر شريكاً مرغوباً فيه، وفي جميع الأحوال فإنها لا تملك أي قوات تلتزم بهما.
وعلى الرغم من كل الحديث عن عدم احترام ترامب لالتزام أمريكا بالمادة الخامسة المتعلقة بالدفاع الجماعي في الناتو، فإن الولايات المتحدة لا تزال الحليف المفضل في جميع أنحاء أوروبا الشرقية، ولا سيما في الدول التي تشترك في الحدود مع روسيا.
وقلة من الناس في بولندا ودول البلطيق يطالبون بالتزامات دفاعية من قبل ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي. وفكرة قوة الرد السريع الأوروبية، التي تراود الخيال منذ بداية الألفية الجديدة، ليست أكثر من ومضة عابرة، في نظر مُحِبّي أوروبا. وحتى لو ظهرت إلى الوجود فعلاً في يوم من الأيام تحت قيادة ألمانية، فلا أحد يعلم على وجه اليقين ما إذا كانت ألمانيا تقاتل أم لا نيابة عن جيرانها. بعد شهر من الذكرى المئوية لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، تبدو رغبة أمريكا في القتال من أجل قضية عادلة، واضحة جلية. وفي واقع الأمر، أظهر مسح سكاني أجري في ثمان من الدول الحليفة في الناتو، أن الأمريكيين والكنديين لديهم أقوى التزام بالدفاع عن حلفائهم. وكانت الدولة التي يمتاز شعبها بأقل تأييد للذهاب إلى الحرب لحماية دولة أخرى في الناتو.. هي ألمانيا.
في العام الماضي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، شكك المرشح ترامب في الطبيعة المطلقة الأحادية الجانب، وغير المحدودة لالتزامات أمريكا بالمادة الخامسة بموجب معاهدة الناتو. وكان ردّ فعل المؤسسة هستيريا شاملة. لكن ترامب كان على حق: فالحقيقة هي أن الناتو ليس آلية للدفاع الجماعي. وفي غياب قدرة أوروبا على الدفاع عن نفسها، يكون الناتو في الواقع، ضمانة أمريكية باتجاه واحد.
إذا كانت أوروبا تريد دفاعاً جماعياً، فقد حان الوقت لدفع التكاليف. معظم أعضاء الناتو في الجبهة الأمامية في شرق وجنوب أوروبا يقومون بدروهم. وألمانيا لا تفعل. وأسوأ المتهربين، لوكسمبورغ، موطن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.
وأول خطوة في الوفاء بالالتزامات هي القدرة على الوفاء بها. والعالم يعلم أن الولايات المتحدة لديها تلك القدرة. وقد أوضح ترامب، أنه لا أحَبَّ عليه من قيام أوروبا بتطوير تلك القدرة أيضاً. والدور الآن على المستشارة ميركل.

* أستاذ مشارك في علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية في جامعة سيدني. موقع:«ناشيونال إنترسْت».


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى