قضايا ودراسات

هل تصبح ألمانيا قوة عسكرية؟

كريس بويل *

بينما يدفع عدم الاستقرار في شرق أوروبا والشرق الأوسط والنزاعات في آسيا بموجات من المهاجرين إلى أوروبا، وفي وقت يثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة بحلف الأطلسي، أخذت ألمانيا تشعر أنها غير آمنة.
وفي مايو/‏أيار، أبلغت المستشارة أنجيلا ميركل الألمان بأنه «يتعين علينا، كأوروبيين، أن نكافح من أجل مستقبلنا».
ونشرت ألمانيا قوات عسكرية في أماكن تتراوح بين ليتوانيا (على الحدود مع روسيا)، وأفغانستان، ومالي في إفريقيا. كما وعدت ميركل بزيادة الإنفاق الدفاعي لألمانيا.
ولكن ألمانيا ومستشارتها تواجهان مشكلة جوهرية: معظم الألمان يعارضون سلوك هذا الطريق. وهم ينظرون بارتياب إلى جيشهم، علماً بأن نشر قوات ألمانية في الخارج مقيد بشدة بقوانين سارية وبمواقف البرلمان.
وفوق كل ذلك، مواقف الألمان تتبلور في ظل التاريخ. إذ إن قوى خارجية حققت على مدى عقود نجاحاً كبيراً في جعل ألمانيا منزوعة السلاح -وهذا ما يجعل الألمان حساسين جداً إزاء ماضيهم العسكري- بحيث يرجح اليوم أن تبقى أكبر قوة اقتصادية وسياسية في الاتحاد الأوروبي دولة ضعيفة عسكرياً.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان هناك نقاش على نطاق واسع بشأن ما إذا كان يتعين على ألمانيا أن تمتلك أصلاً قوات مسلحة. إذ إن كثيرين من الألمان رأوا أنه لا بد من وضع حد لدورة بدأت مع النزعة العسكرية البروسية في القرن التاسع عشر وانتهت بجرائم الحرب النازية.
وبينما أنشأت ألمانيا الشرقية الشيوعية جيشاً شعبياً وفقاً للتقاليد الألمانية، إلا أن ألمانيا الغربية -الواقعة تحت احتلال بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة- أنشأت قوات مسلحة مختلفة كلياً. إذ إن «قوات الدفاع الاتحادية» (Bundeswehr) التي أنشئت في منتصف الخمسينات كانت قوة متواضعة عن قصد، حيث كانت مهمتها هي فقط الدفاع عن أراضي ألمانيا الغربية، وليس القتال في الخارج. وقد تم تلقين المجندين لهذه القوة بأن يعتبروا أنفسهم «مواطنين ببزة رسمية».
وفي الواقع، كما يقول المؤرخ الأمريكي لألمانيا المعاصرة جيمس شيهان، الزي العسكري الألماني «يشبه حقاً زي سائقي الحافلات أكثر منه زي أفراد أفواج عسكرية». ويضيف شيهان أن ألمانيا المعاصرة «تفكر في جيشها مثلما تفكر معظم الدول بقوة شرطتها». وما وصفه ب«الارتياب الثابت في المؤسسات العسكرية لا يزال قوياً، بل أصبح من بعض الوجوه أكثر قوة». وأساس هذا الموقف هو الذكريات الراسخة للحرب العالمية الثانية – ليس فقط الشعور بالعار بسبب جرائم النازية، وإنما أيضاً بسبب آلام وهلاك أعداد هائلة من المدنيين.
وعندما انتهت الحرب الباردة وأعيد توحيد ألمانيا، اعتقد شعبها أن السلام أصبح الآن دائماً. ولكن السياسي ووزير الدفاع السابق فرانز جوزيف يونغ يقول إن «الحقيقة لا تزال تلازمنا».
وفي أعقاب إعادة توحيدها، بدأت ألمانيا تنشر قوات في الخارج لأول مرة. ولكن الحساسيات تبقى قوية. وفي 2009، ترددت مزاعم عن تستر حكومي على ضربة عسكرية في أفغانستان شاركت فيها قوات ألمانية وتسببت بمقتل مدنيين. وعندئذ اضطر الوزير يونغ إلى الاستقالة.
واليوم، أصبح البرلمان الألماني يشرف كلياً على نشر أي قوات في الخارج. كما يدور نقاش في ألمانيا حول مستقبلها العسكري. ومواقف وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن حلف أطلسي «عفا عليه الزمن» وتشكيكه في الأمن الجماعي، كل ذلك شكل «مفاجأة كبرى» للألمان. وحسب بيثولد كوهلر، رئيس تحرير صحيفة «فرانكفورتر ألغماينة تسايتونغ»، فإن «أحداً لم يكن يتصور أن يقول رئيس أمريكي شيئاً كهذا».
وألمانيا تنفق حالياً بحدود 1،2 % فقط من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، ولكنها أصبحت تحت ضغط أمريكي بسبب مطالبة الرئيس ترامب للحلفاء الأطلسيين بتحمل قسط أكبر من كلف الدفاع الجماعي.
ويقول السياسي الألماني ورنر كريتشل، الذي يعرف جيداً أنجيلا ميركل وتفكيرها، إن المستشارة «تريد جيشاً ألمانياً قوياً يتحمل مسؤوليات دولية. ولكن الصعوبة التي تواجهها هي أن الشعب الألماني يعارض إنشاء جيش قوي».
وربما سيواصل الألمان تجربتهم التاريخية الفريدة، فيحاولون أن يصبح بلدهم قوة دولية، ولكن من دون مجهود عسكري كبير.
* مراسل إذاعة ال «بي بي سي» – موقع ال «بي بي سي»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى