قضايا ودراسات

هل يستطيع رئيس كوريا الجنوبية تحقيق السلام؟

شي يونغ مينغ
هل يستطيع رئيس كوريا الجنوبية المضيّ قُدماً في سياسة خارجية مستقلة، تجلب السلام إلى شبه الجزيرة الكورية؟
في أول خطاب رئاسي له، قال الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثاً، «مون جاي إن»، إنه سيعالج الاقتصاد، ويوحّد المجتمع المنقسم بسبب فضيحة الفساد التي تورطت فيها الرئيسة السابقة، «بارك جيون هاي»، وقادت إلى عزلها. وقد أدّى «مون»، البالغ من العمر 64 عاماً اليمين الدستورية، باعتباره الرئيس ال19، يوم 10 مايو/ أيار.
ولكن الرئيس الجديد يواجه عدداً من الاختبارات الخطرة. فالعالم يتغيّر بصورة جذرية مع إعادة تشكيل هيكل القوة العالمي بشكل مستمر. وقد دُفعت شبه الجزيرة الكورية إلى حافة الحرب بعد موجات من التوتر. ويقف مون على مفرق طرق حاسم، حيث يجب عليه القيام بالاختيار الصحيح. ويحتاج إلى معرفة الطريقة التي يتطور بها العالم، وإنقاذ بلاده من حرب كورية أخرى في المستقبل.
ولتحقيق هذين الهدفين، تكون مهمة مون الرئيسية في وضع سياسته، هي إيجاد الهوية الوطنية الصحيحة لبلاده.
بعد نهاية الحرب الباردة، ضلل السياسيون النيوليبراليون الغرب والعولمة. وعرضوا قيمهم باعتبارها متفوقة على قيم الدول الأخرى، وأنها شاملة وعالمية. وروّجوا للتجارة الحرة في جميع أنحاء العالم بطريقة تحابي اقتصاداتهم. وكان ما سعوا إليه هو تأمين الهيمنة الغربية. فكان كل رئيس أمريكي يضع زعامة الولايات المتحدة أولاً في سياساته.
ومع هذا الهدف، وسّع الغرب تدخله في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخلق التوتر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ويعتقد كثيرون بأن العالم يمرّ بمرحلة تحول في السلطة، مما يعكس محنة النظرية التي تركز على الغرب. وتدعو الصين إلى القيام جماعياً ببناء مجتمع ذي مصير مشترك، ويمتاز بالتشاور الموسع والمساهمات المشتركة والمنافع المشتركة، ويلقى ذلك صدىً طيباً في العالم.
وهكذا، فإن «مون»، يحتاج إلى أن يرى اتجاه المستقبل، ويخرج من النمط القديم القائم على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة.
وفي الوقت الحالي، يشكل البرنامج النووي لكوريا الشمالية، أحد أكبر الهموم التي تشغل بال الرئيس الكوري الجنوبي، مون.
ومن أجل نزع فتيل التوتر ينبغي على كوريا الجنوبية، أن تتخلى عن فكرة ضمّ الشمال. فعلى السطح، تبدو القضية النووية وكأنها مواجهة سياسية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ولكنها في جوهرها متجذرة في الصراع في شبه الجزيرة الكورية، بين الشمال والجنوب.
وقد تلقي كوريا الجنوبية اللوم على كوريا الشمالية في اندلاع الحرب الكورية، ولكن سيؤول لا تستطيع إنكار تورطها في إثارة سلسلة من الصراعات المسلحة منذ تأسيس الدولتين. ويكفي أن نذكر أنّ كوريا الجنوبية، لم توقع حتى اليوم، على اتفاق هدنة الحرب الكورية لعام 1953.
وقد تحسنت العلاقة بين الكوريتين بين عاميْ 1998 و 2003، عندما تبنّى رئيس كوريا الجنوبية وقتئذٍ، كيم داي جونغ، سياسة الشمس المشرقة، لبدء حوار مباشر على مستوىً عالٍ مع كوريا الشمالية. وحاول خليفة كيم، هو «روه مو هيون»، بذل المزيد من الجهود لتحسين العلاقات مع بيونغ يانغ، ولكنه وجد السياسة مقيدة بالعداوة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. ولا يمكن تجنب المواجهة في شبه الجزيرة، إلاّ إذا نسقت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تعاملهما مع كوريا الشمالية.
وقد تدهورت العلاقات بين الكوريتين بشكل كبير بعد أن أصبح «لي ميونغ باك» رئيساً لكوريا الجنوبية عام 2008، واتخذ سياسة صارمة نحو كوريا الشمالية. وبعد خمس سنوات، فازت «بارك جيون هاي» في الانتخابات الرئاسية، ودعت علناً إلى «توحيد» شبه الجزيرة الكورية، مما زاد من عداء كوريا الشمالية. وفي الوقت نفسه اتبعت إدارة أوباما سياسة احتواء كوريا الشمالية، التي كثفت العداوة بين الشمال والجنوب.
واليوم يبدو خليفة أوباما، الرئيس ترامب، مستعداً لتعديل سياسة الولايات المتحدة إزاء كوريا الشمالية. وأشار إلى إمكانية إجراء محادثات مباشرة مع بيونغ يانغ، وحتى عقد اجتماع مع كيم يونغ اون، زعيم كوريا الشمالية. كما قال ترامب أيضاً، إن إدارته لن تسعى إلى تغيير النظام في كوريا الشمالية. ومع تعبير مون عن رغبته في التحدث مع بيونغ يانغ، فإنه اختبار كبير له أن يحاول تحسين العلاقات المتوترة مع كوريا الشمالية.
والمأزق الحقيقي لكوريا الجنوبية هو هويتها الوطنية الغامضة، وهي الأساس الذي بناءً عليه تصوغ الحكومة استراتيجيتها الوطنية.
فالولايات المتحدة، تريد اختزال كوريا الجنوبية، إلى مجرد حجر على رقعة شطرنجها الدولية. ومع ذلك، فإن بعض ساسة كوريا الجنوبية، استجابوا لذلك بطريقة إيجابية، باعتباره فرصة لتعزيز مكانتهم الدولية.
ولكن تعاون كوريا الجنوبية مع الاستراتيجية الأمريكية، عمّق معضلة الهوية الوطنية لسيؤول.
ويبدو مون وكأنه يُظهر أنه قادر على اتخاذ قرارات مهمة بشأن المخاوف الأمنية لبلاده، بينما لا يتأثر بالقوى الخارجية. وكان قد أشار إلى أنه سوف يدرس إلغاء نشر منظمة ثاد الصاروخية. ولكن مون حتى الآن، لم يستخدم سلطته الرئاسية لفعل ذلك. وفضّل بدلاً منه ترك المسألة للبرلمان، حيث تحظى أحزاب المعارضة بالأغلبية. وبهذه الطريقة، يُرجح أن لا يتم إلغاء نشر منظومة ثاد.
وبالنسبة إلى المدى الذي سيبلغه الرئيس الجديد في إعادة تحديد سياسة خارجية مستقلة لكوريا الجنوبية، فإن الزمن وحده، كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.

*باحث مشارك في قضايا آسيا والمحيط الهادئ في معهد الصين للدراسات الدولية. موقع: مجلة «بيجين ريفيو»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى