قضايا ودراسات

هل يمكن تحريم الأسلحة النووية ؟

ديانا جونستون *
في يونيو/ حزيران الحالي، أجرى ممثلو أكثر من 100 دولة غير نافذة عالمياً جولة مفاوضات جديدة استمرت ثلاثة أسابيع في مقر الأمم المتحدة بهدف عقد معاهدة دولية ملزمة لتحريم الأسلحة النووية. ولكن هذه المفاوضات قوبلت بعدم اكتراث، وحتى بعداء، من جانب القوى العالمية النافذة.

قلائل جداً في العالم علموا بهذه المفاوضات. وعندما كان صحفيون يسألون مسؤولين في دول نافذة بشأن هذه المفاوضات، لم يكونوا يحصلون على أي جواب.
في المقابل، العالم يتحدث كثيراً اليوم عن التغير المناخي. والكوارث والأضرار التي ستتعرض لها البشرية وكوكب الأرض نتيجة لارتفاع حرارة الأرض بضع درجات توصف بأنها خطر داهم على البشرية وكل حياة على الأرض. ولكن هذا الخطر يبقى ضئيلاً بالمقارنة مع نتائج حرب نووية شاملة.
وسكان العالم لا يعرفون أيضاً أنه بالرغم من التأثيرات المؤكدة للنشاط البشري على مناخ الأرض، فإن العلماء يعرفون أن هناك عوامل أخرى لا صلة لها بالنشاط البشري، مثل التغيرات في النظام الشمسي، تساهم هي أيضاً في التغير المناخي.
يبقى مع ذلك أن مسؤولية البشر عن الأسلحة النووية هي بالتأكيد مسؤولية مطلقة. إذ إن خطر الحرب النووية هو من صنع الإنسان، وبعض الناس المسؤولين عن هذا الخطر يمكن تسميتهم، مثل الرئيس الأمريكي هاري ترومان، ومستشاره والمؤتمن على أسراره جيمس بيرنز، والجنرال ليستر جروفز (المسؤول عن برنامج «مانهاتن» السري لصنع وتفجير أول قنبلة ذرية في التاريخ). وحكومة الولايات المتحدة أوجدت عمداً وعن كامل وعي هذا الخطر الذي يهدد البشرية. وبمواجهة قدرة الولايات المتحدة واستعدادها لإزالة مدن بأكملها من الوجود، صنعت دول أخرى أسلحتها النووية الخاصة كرادع. وهذا جعل البشرية تعتقد أن خطر الفناء النووي لم يعد قائماً.
ولكن الولايات المتحدة، القوة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي لتدمير مدينتين مأهولتين، تواصل تطوير ترسانتها النووية، وهي تقول إن لديها «الحق» في المبادأة بشن ضربة نووية أولى إذا اختارت ذلك. ولم يكن مما يدعو للدهشة أن تكون الولايات المتحدة قد دعت إلى مقاطعة المفاوضات في الأمم المتحدة حول تحريم الأسلحة النووية. وبمناسبة مؤتمر مماثل سابق عقد في مارس/آذار، حاولت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي استغلال مشاعر إنسانية لتبرير الرفض الأمريكي لتحريم السلاح النووي، إذ قالت: «بحكم كوني ابنةً وأماً، ليس هناك شيء أحب إلي ولعائلتي من عالم خالٍ من الأسلحة النووية. ولكن يتعين علينا أن نكون واقعيين. فهل هناك من يعتقد أن كوريا الشمالية ستوافق على تحريم الأسلحة النووية ؟».
مثل هذا التبرير لامتلاك سلاح التدمير الجماعي المطلق تستخدمه أيضاً الجمعية الأمريكية للبنادق ( اللوبي الرئيسي في أمريكا المدافع عن امتلاك الأفراد أسلحة نارية )، إذ تقول: «الأسلحة لا تقتل الناس. الناس هم الذين يقتلون الناس». ولكن الأصح هو القول إن الناس الذين يمتلكون أسلحة هم الذين يقتلون بشراً. وبالمثل، الأسلحة النووية لا تدمر العالم. ولكن أناساً يملكون أسلحة نووية يمكنهم تدمير العالم. إن جوهر المسألة هو ما يوجد داخل عقول البشر.
إن أسوأ شيء في عالم اليوم هو عقلية الزمرة المتعطشة للسلطة التي نطلق عليها اسم «المحافظين الجدد»، والتي سيطرت على واشنطن الرسمية خلال الثلاثين سنة الماضية، والتي تطمح إلى تحقيق الهيمنة الأمريكية العالمية. واليوم، بعد زوال الاتحاد السوفييتي، لم يعد هناك من عدو إيديولوجي. ولكن هستيريا العداء لروسيا الحالية ليست سوى تعبير عن عقلية زمرة المحافظين الجدد، التي لا تقبل أي تحدٍ للهيمنة الأمريكية العالمية.
ومن المؤكد أن هناك خططاً جاهزة للقضاء على أي تحديات لهذه الهيمنة العالمية. وهذه الخطط لا تعرض أمام لجان الكونجرس – دع عنك أمام الصحافة. إنها خطط تتبلور داخل البنتاجون. ومن المؤكد أن هناك اليوم خططاً جاهزة لحرب نووية ضد روسيا والصين، إضافة إلى إيران.
إن السبب الجوهري الذي يجعل قادة الولايات المتحدة يعتقدون أنه لا بد لأمريكا من الاحتفاظ بتفوقها النووي هو اعتقادهم بأن أمريكا «أمة استثنائية» لها الحق في، وعليها واجب، امتلاك القوة التدميرية المطلقة. وطالما أن هذه العقلية تحكم في واشنطن، لن تكون هناك أي إمكانية لتحريم وإزالة الأسلحة النووية.
وهذا يجعل من الممكن اندلاع حرب نووية – عاجلاً أم آجلاً.
* كاتبة سياسية أمريكية – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى