قضايا ودراسات

وحدة الغرب تهتز

أندري أكولوف *
ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات على أن أسس ما يعرف باسم الغرب تهتز
وأن شيئاً جديداً سيحل محلها.
خبراء إن انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة يشكل علامة على نهاية النظام الليبرالي. وقد عبّرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن صدع جديد عبر الأطلسي ظهر عقب قمتي حلف الأطلسي ومجموعة السبع، عندما قالت إن «على أوروبا ان تكون سيدة مصيرها».
وحسب ميركل، إذا كانت ألمانيا وأوروبا تسعيان بقوة للبقاء على علاقة جيدة مع أمريكا وبريطانيا، فإنه «يتعين علينا أن نناضل من أجل مصيرنا». وأدلى وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل بتصريح يتناغم مع موقف ميركل، إذ قال إن «الغرب أصبح أصغر، أو على الأقل أصبح أضعف». وانضم مارتن شولتز، زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي المعارض ومنافس ميركل في الانتخابات العامة في سبتمبر/‏ أيلول، إلى موقف الحكومة بقوله إن «القيم الغربية باتت مهددة». وكل ذلك يبين أن هناك إجماعاً بين النخبة السياسية الألمانية فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة. وألمانيا، القوة الأوروبية الأولى، لم تعد تعتبر أمريكا زعيمة الغرب – وهو الدور الذي كانت الولايات المتحدة تمارسه منذ الحرب العالمية الثانية.
وحسب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية (مركز دراسات عريق في أمريكا متخصص في السياسة الخارجية الأمريكية والشؤون الدولية)، فإن «ميركل تقول إن أوروبا لا يمكنها الاعتماد على آخرين بل هي تحتاج إلى أن تمسك زمام الأمور بأيديها. وهذا ما كانت الولايات المتحدة تسعى لتجنبه منذ الحرب العالمية الثانية».
وفكرة أن تقرر أوروبا مصيرها بنفسها، على الأقل في ما يتعلق بضمان الأمن، ليست جديدة، حيث كانت تناقش أحياناً في مجالس خاصة. ولكن كان من المستحيل حتى الآن أن يقول قائد ألماني ذلك علناً.
وهناك أيضاً صدع آخر في التحالف الغربي، هو العلاقة المتوترة حالياً مع تركيا. وحسب صحيفة «دي فيلت» الألمانية، فإن ألمانيا، وفرنسا، وهولندا والدانمارك تزعمت حملة من أجل عدم عقد قمة العام المقبل لقادة دول حلف الأطلسي في تركيا. وقد وافقت 18 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وكذلك كندا، على قرار عدم عقد القمة في إسطنبول. وهناك اتجاه الآن لعقد هذه القمة في مقر حلف الأطلسي في بروكسل. يضاف إلى ذلك أن ألمانيا قررت سحب قواتها العسكرية من تركيا.
وتركيا لديها ثاني أكبر جيش في حلف الأطلسي بعد الولايات المتحدة، ولكن الأحاديث المغلقة في دوائر حلف الأطلسي تناقش احتمال خروج تركيا من الحلف، أو على الأقل البقاء عضواً بصورة شكلية من دون أن تكون عضواً فاعلاً.
وبينما انضمت جمهورية مونتينيغرو (الجبل الأسود) حديثاً إلى الحلف، يبدو أن سلوفاكيا قد تنسحب قريباً من الأطلسي. والاتحاد الأوروبي أيضاً يواجه متاعب، حيث ظهرت انقسامات إلى العلن. فبينما تدعو ألمانيا ودول شمال أوروبا إلى تبني سياسات تقشف، فإن دولاً أضعف في منطقة "اليورو" تقاوم ذلك.
وفي هذه المرحلة، من الصعب جداً توقع ما سيحدث، ولكن الأمر المؤكد هو أن تغييرات ستحدث. ففي هذه اللحظة، من الصعب التحدث عن وحدة غربية، حيث إن هذه الوحدة آخذة في التفكك. وفي الوقت الراهن، يمر كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي بتغييرات يبدو أنها تهز الأسس التي قام عليها الغرب. وحتى مفهوم «الغرب» يمكن أن يفقد معناه الأصلي. وهناك أمور كانت تبدو مستحيلة، ولكنها أخذت تحدث الآن مع ظهور تكتلات فرعية ومراكز قوى. وهذا يمكن أن يغير المشهد السياسي في منطقة أوروبا – الأطلسي، وبالتالي في العالم المعاصر ككل.
* كولونيل متقاعد خبير في مسائل الأمن الدولي مقره في موسكو – موقع «استراتيجيك كلتشر»Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى