قضايا ودراسات

«وعد البراق» وأوهام «إسرائيل»!

عوني صادق

نظرة يلقيها المراقب على الموقف «الإسرائيلي»، وتعامله اليوم مع القضية الفلسطينية، وتجاهله للشعب الفلسطيني وحقوقه، وشهيته المفتوحة للاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية، تمكنه من رؤية الكثير من الأسباب التي جعلت عصابة نتنياهو تصل هذا الحد من انعدام التبصر والحكمة. فالوضع الفلسطيني يبدو في أسوأ حالاته، وأسوأ منه الوضع العربي، ولا يقل سوءاً وضياعاً الوضع الدولي مع إدارة أمريكية هي الأكثر انحيازاً للكيان الصهيوني من كل الإدارات الأمريكية التي سبقتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأي صهيوني حتى لو لم يكن من غلاة المستوطنين المتطرفين، إزاء هذه الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية، يمكن أن يسأل نفسه: لماذا لا يأخذ كل ما يستطيع أخذه طالما أن الفرصة السانحة اليوم تسمح بذلك، وقد لا تلوح مرة أخرى إذا ضاعت؟!
إلى جانب الصورة السابقة، هناك في الهامش الصهيوني «الإسرائيلي» أصوات أقل اندفاعاً وأدق رؤية، ترى أن الأوضاع السائدة والمحيطة بالوجود الصهيوني في فلسطين، بالرغم من أنها تحمل الكثير من الإغراءات التي تدفع للطمع والانتشاء بالقوة، فإنها لا تزيد في نهاية الأمر على أن تكون «فخاً» يمكن أن يذهب بالأخضر واليابس مما تحقق حتى الآن من المشروع الصهيوني، وأن «قوة شمشون» لم تفعل في آخر المطاف سوى أنها هدمت المعبد على رؤوس مَنْ فيه! لذلك نسمع تلك الأصوات تحذر من مغبة السياسات التي تتبعها الحكومة «الإسرائيلية» التي يترأسها بنيامين نتنياهو، وتطالب بإسقاطه وإبعاده عن القيادة، قبل أن ينجح في هدم المعبد! لكن مقتل هذه الأصوات، إضافة إلى عجزها عن تغيير دفة الحكم في الكيان، أنها لا تملك «حلاً جدياً» يغير من طبيعة التوجهات السائدة. فهي وإن كانت تطالب بإسقاط «حكومة المستوطنين» الحالية ورئيسها، كما تطالب بإنهاء الاحتلال، إلا أنها لا تملك جواباً على ما يعنيه «الاحتلال»، ولا كيف يكون إنهاؤه. وهي من جهة، لا تطالب بتفكيك المستوطنات أو إخلاء المستوطنين، ومن جهة أخرى، لا تقبل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هُجِّروا منها قسراً بأساليب القوة والتطهير العرقي. وكلا الأمرين لا يقدم حلاً للمسائل الجوهرية العالقة التي تمثل صلب ما يسمى (قضايا الوضع النهائي) في أي (حل) يمكن أن يكون أساساً لأي (اتفاق سلام).
في الوقت نفسه، لا أحد من الفلسطينيين اليوم يرى أن (السلطة الفلسطينية) قادرة على فرض شيء على الحكومة «الإسرائيلية»، وبالتالي هي لا تشكل قوة لمواجهة الاحتلال أو وسيلة لإنهائه، بل على العكس من ذلك تثبت يومياً أنها أداة في يد الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» لقمع ومواجهة كل من يفكر في مقاومة الاحتلال. وحتى الفصائل المسلحة (وخصوصاً الفصيلين الكبيرين فتح و حماس)، لم تعد تحظى إلا بثقة الجزء القليل من الشعب الذي لا يراها في الوقت الحاضر مؤهلة لا لتحرير الأرض ولا حتى لمواجهة الاحتلال. والشعب نفسه يبدو كأنه فَقَدَ الأمل في تغيير الأوضاع بشكل يغير من اتجاه الريح. مع ذلك، فإن من المعطيات «الملقاة» في الشارع على قلتها، ما يُشعر المتمعن بأن كل الأوضاع السيئة السائدة لم تكن كافية لاستسلام الشعب لما يفرض عليه، وتَعاقب الأحوال في السنوات الثلاث الأخيرة دليل ينفع لتوضيح هذا الزعم.
من هذه المعطيات التي أقصدها، ودون أن نذهب بعيداً في الزمن، (انتفاضة أكتوبر 2014) أو ما سمي (انتفاضة القدس)، وما تبعها من عمليات طعن ودهس وإطلاق نار، وآخرها عملية (وعد البراق) التي نفذها ثلاثة من الشبان من قرية دير أبومشعل مساء يوم الجمعة الماضي. نعم لقد استشهد الثلاثة، وكانوا يعرفون أنهم سيستشهدون، ولم يتمكنوا إلا من قتل مجندة وجرح ستة جنود. والمسألة ليست في عدد الذين قتلوهم من جنود الاحتلال، بل المسألة في (النهج) الذي حملته العملية ومنفذوها، وهو ما أشار إليه بيان «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» التي تبنت العملية. فهذا النهج، نهج المقاومة، هو الصاعق الذي يفجر أوهام الحكومة الصهيونية وأتباعها كلما أخذتهم أوهامهم وتصوروا أن الأمر على وشك أن يستقر عند تصفية القضية التي عجزوا عن تصفيتها في سبعة عقود.
تلك هي معضلة الكيان الصهيوني وأنصاره. فقد تنجح مخططاتهم في مرحلة ما، وقد نجح كثير منها حتى الآن، لكن سيكون هناك دائماً مَنْ يُذَكِّرهم أن لهذه الأرض صاحباً لن يتخلى عن السعي لاستردادها مهما طال الزمن وبكل السبل. وما يبدو لهم (وهماً) أو (شغب صغار)، يكفي ليحيل (حقائقهم) إلى أوهام!

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى