قضايا ودراسات

وعد بلفور.. وليد نزعة عنصرية

كيفن زيس*
مارغريت فلاورز**

أحيت الحكومة البريطانية بمظاهر أبهة وعجرفة الذكرى المئوية لوعد بلفور، الذي منح فلسطين إلى الحركة الصهيونية اليهودية. ولكن عبر العالم، جرت مظاهرات ضد هذا الوعد، ودعا المتظاهرون بريطانيا إلى الاعتذار عما تسببت به من أضرار وآلام.
حسب وصف دان فريمان – مالوي (كاتب وناشط خبير في شؤون فلسطين مقره في مونتريال بكندا)، فإن وعد بلفور لا يزال وثيق الصلة بوضع فلسطين اليوم بسبب الدعاية التي رافقته والتي بررت العنصرية، وتفوق العرق الأبيض، والسياسات الإمبراطورية. ويعتقد الإمبرياليون البريطانيون أن الديمقراطية «جديرة فقط بالشعوب المتحضرة والمسيطرة»، وأن «الأفارقة، والأسيويين، والسكان الأصليين عبر العالم كله – جميعهم شعوب خاضعة ليسوا مؤهلين لحكم أنفسهم».
وهذه العنصرية ذاتها كانت موجهة ضد الشعب اليهودي أيضاً. واللورد بلفور كان يفضل أن يعيش الشعب اليهودي في فلسطين، بعيداً عن بريطانيا؛ حيث يمكن أن يكونوا حلفاء مفيدين لبريطانيا.
ويذكرنا الصحفي والمعلق السياسي الأمريكي بيل مويرز أنه خلال الفترة ذاتها التي أصدر فيها بلفور وعده، كانت قوانين الولايات المتحدة «تعتبر نموذجاً لكل من كان مهتماً في أوائل القرن العشرين بإقامة نظام قائم على العرق وإقامة دولة عرقية». وهذا شمل قوانين هجرة كانت غايتها إبقاء «غير المرغوب فيهم» خارج الولايات المتحدة، وقوانين جعلت من الأمريكيين الأفارقة وأناس آخرين مواطنين من الدرجة الثانية، وقوانين حظرت الزواج بين الأعراق. وقد وضع المحامي وبروفسور القانون الأمريكي جيمس ويتمان كتاباً وثق فيه كيف استخدم هتلر قوانين أمريكية كأساس للدولة النازية.
والحكومة الأمريكية وقوانينها لا تزال تؤيد هذا البغي حتى يومنا هذا. وعلى سبيل المثال، فإن شركات المقاولات التي حصلت على عقود مع الحكومة لإصلاح الأضرار الناجمة عن الإعصار «هارفي» في ولاية تكساس ألزمت بعدم المشاركة في الحملة الفلسطينية العالمية لمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات الموجهة ضد «إسرائيل». وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، وقع حاكم ولاية ماريلاند لاري هوجان أمراً تنفيذياً حظر على أي شركة متعاقدة مع ولايته أن تشارك في حملة المقاطعة هذه.
والمشاركة في حملات مقاطعة محمية بموجب التعديل الأول في الدستور الأمريكي. ويفترض أيضاً أن يحمي هذا التعديل الاحتجاجات ضد سياسة الفصل العنصري «الإسرائيلية». ولكن هذه الحقوق لا تطبق.
ووسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية لا تزال، كما كانت تفعل في أوائل القرن العشرين، تخدع الرأي العام من أجل حملة على تأييد العدوان العسكري. وهذا الإعلام كان يروج للحروب طوال تاريخ الإمبراطورية الأمريكية، وكان دائماً يلعب دوراً كبيراً في دفع الولايات المتحدة إلى خوض حروب، مثلما حدث في فيتنام والعراق. وفي الوقت الراهن، كثيراً ما يتحدث الإعلام الأمريكي عن سعي إيران لصنع أسلحة نووية – رغم التأكيدات المعاكسة للوكالة الدولية للطاقة الذرية – في حين أنه يلتزم الصمت إزاء برنامج التسلح النووي «الإسرائيلي».
وبمساعدة وسائل الإعلام، أصبحت ماكينة الحرب تسيطر على جميع جوانب حياة الأمريكيين. والنزعة العسكرية هي اليوم جزء بارز من الثقافة الأمريكية، كما أنها جزء كبير من الاقتصاد الأمريكي. وهذه النزعة لا يمكن وقفها إلا إذا وحدت الحركات السلمية جهودها. وفي الوقت الراهن، هناك جهود حثيثة من أجل إعادة إحياء الحركة المعارضة للحرب في الولايات المتحدة. وكثير من الحركات السلمية الأمريكية أقامت روابط مع حركات مماثلة عبر العالم.
ولا بد لنا من الاعتراف بأنه إذا كان إشعال حروب يستهدف السيطرة على مناطق واستغلال ثرواتها من أجل منفعة قلة صغيرة، فإنه أيضاً متجذر في الأيديولوجية العنصرية التي تنادي بتفوق العرق الأبيض وتعتقد أن أمماً معينة هي فقط تستحق أن تكون سيدة مصائرها.
ومن أجل مواجهة هذا الواقع، يتعين على الحركات السلمية أن توحد جهودها، وتتعاون مع الحركات المماثلة عبر العالم من أجل السلام، وأن تسعى إلى بناء عالم متعدد الأقطاب تعيش فيه جميع الشعوب بسلام وكرامة، وتتمتع بحق تقرير المصير.

*حقوقي وناشط سياسي أمريكي
**ناشطة أمريكية في حزب الخضر – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى