قضايا ودراسات

«وهل يستقطر من الخل العسل»؟

عوني صادق
بعد أن هدأ الغبار الكثيف الذي أثارته زيارة دونالد ترامب إلى المنطقة تحت عنوان «الصفقة الكبرى» و«إحلال السلام في المنطقة»، صار في الإمكان طرح السؤال: ما الذي بقي منها في الموضوع الفلسطيني؟ حيث إن «إحلال السلام» في القاموس الأمريكي يعني حل (أو بتعبير أدق تصفية) القضية الفلسطينية.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن كل الرؤساء الأمريكيين الذين نزلوا في البيت الأبيض منذ عدوان 1967، أعلنوا أنهم يريدون «إحلال السلام في المنطقة». ومنذ توقيع (اتفاق أوسلو) في حديقة البيت الأبيض في سبتمبر/ أيلول 1993، صار هذا (الإعلان) حكراً على الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وكلها فشلت في تحويله إلى واقع، وهي تتحمل الجزء الأكبر في هذا الفشل. وبالرغم من أن الرئيس الأمريكي الثالث والأربعين، جورج دبليو بوش، قال عنه الأمريكيون إنه «الأغبى» بين كل الرؤساء الأمريكيين، إلا أنه فاز مرتين لولايتين ولم يخرج الأمريكيون استنكاراً لانتخابه لا في المرة الأولى ولا في المرة الثانية، لكن الرئيس الخامس والأربعين، دونالد ترامب، يصر على أنه هو الذي سينجح في تحقيق «الحلم» الذي فشل في تحقيقه أسلافه!
فما الذي تركته زيارة ترامب فلسطينياً؟
كما كان واضحاً منذ البداية، تبين أن «الصفقة الكبرى» لم تكن في تفاصيلها تختلف عن «الأفكار الأمريكية» التي طرحها أسلاف ترامب، ويمكن تلخيصها على النحو التالي: البدء ب «خطوات بناء الثقة» بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية، ثم «ترتيبات مؤقتة» تنتهي ب
«اتفاق نهائي» بعد عدد من السنين لا يعرفه أحد. الفرق الوحيد بين ترامب وأسلافه هو التشديد على «تطبيع عربي» مع «إسرائيل» كخطوة أولى من «خطوات بناء الثقة»، وهو ما يدرجه ترامب تحت اسم (الحل الإقليمي). وفي دراسة للجنرال المتقاعد عاموس يادلين، رئيس «مركز أبحاث الأمن القومي» التابع لجامعة «تل أبيب»، حول نتائج زيارة ترامب، جاء قوله: إن واشنطن معنية بتحريك (عملية السلام)، لكنها ليست مهتمة بفرض الحلول على الطرفين، وأن «الحوار في المرحلة الأولى سيتركز على خطوات بناء الثقة بين الطرفين». ويقول يادلين: تقوم العملية «على أساس تجميد جزئي للاستيطان مقابل خطوات تطبيع عربية، ثم ترتيبات أمنية مؤقتة مقبولة لدى الطرفين»!
لقد قامت كل التحركات الأمريكية السابقة منذ التوقيع على (اتفاق أوسلو) على أساس (حل الدولتين)، وهو ما تتمسك به حتى اليوم السلطة الفلسطينية كمبرر للمفاوضات. لكن ترامب شطب هذا الأساس من التداول. وفي مقال نشرته صحيفة (يديعوت- 23/5/2017)، يقول كاتبه شلومو بتركوبسكي: «ما كان مشوقاً أكثر من كل الخطابات التي ألقاها ترامب، هو ما لم يكن فيها. ففي كل خطاباته لم يذكر شيئاً عن حل الدولتين. هذا الشعار الذي اعتدنا جداً على سماعه من كل زعيم غربي يصل، غاب تماماً من أقواله»!
وعودة إلى يادلين، تأسيساً على ما يتطلع إليه ترامب، كل المطلوب من الحكومة «الإسرائيلية» من أجل تنفيذ (الصفقة) هو ألا تظهر بمظهر (الرافض)، فلا تتمسك بالوضع القائم، وعليها ألا تهاجم (حل الدولتين)، وعليها أن «توضح الأهداف الاستراتيجية التي لا تستطيع «إسرائيل» التنازل عنها مثل: الترتيبات الأمنية، حق عودة اللاجئين، والتجمعات الاستيطانية الكبرى، والقدس»!! وعليه يكون الدور الأمريكي متمثلاً في فرض هذه «الأهداف الاستراتيجية» على الطرف الفلسطيني كجزء من (الصفقة)!
عدا ذلك يبدو كل ما يقال مجرد حشو ليقال، إن هناك (مفاوضات) تجري حول (مطالب) متبادلة! لكن تأكيد ترامب المتكرر من أنه لا يفكر في فرض الحلول على الطرفين، يعني أن المفاوضات ستدور في نفس المدار الذي شهدته في ربع القرن الماضي والذي انتهى إلى الفشل الذريع باستثناء أنه كان غطاء للتوسع الاستيطاني الذي لم يبق أرضاً تقوم عليها (الدولة الفلسطينية) الموعودة. وزبدة هذا القول، خصوصاً عندما يصدر عن ترامب، هي أن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه المفاوض الفلسطيني في آخر المطاف هو بالضبط ما تريد الحكومة «الإسرائيلية» أن تتنازل عنه، ليس أكثر وليس غيره!
هذا هو ما تكشفت عنه (الصفقة الكبرى) وما انتهت إليه زيارة ترامب في الموضوع الفلسطيني. وقد نشرت صحيفة («إسرائيل» اليوم) المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقابلة مع «مسؤول فلسطيني» تحدث فيه عن لقاء ترامب – عباس الأخير، وذكر فيها أن الرئيس الأمريكي أسمع كل ذلك للرئيس عباس، مؤكداً بخاصة على قوله: «التطبيع العربي أولاً قبل حل القضية الفلسطينية»!.

awni.sadiq@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى