قضايا ودراسات

يوم بريطاني للمحافظين

مفتاح شعيب
قد يعد من باب حرية الرأي، والحرص على المصلحة الذاتية، ما قامت به صحف بريطانية، مثل: «ذي صن» من خلال دعوتها الناخبين إلى التصويت بكثافة لحزب المحافظين في الاقتراع المبكر، الذي يجري، اليوم، وتعول عليه رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي للفوز وبأغلبية من أجل بناء قاعدة سياسية جديدة تعتمد عليها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لاستكمال إجراءات ال «بريكست»، الذي تم إقراره في استفتاء العام الماضي.
الدعوة إلى التصويت لمصلحة المحافظين في يوم يفترض أنه «صمت انتخابي» يعني أن الوضع حرج، وأن الحزب، الذي تحمل مسؤولية ال«بريكست» وما نتج عنه، يواجه مشكلة ويريد تفاديها. وهذه المشكلة تتعلق بالخشية من عدم استكمال النصاب للفوز بالأغلبية. وبينما يبدو حزب «العمال» في وضع مريح لقلة المسؤوليات على عاتقه، وهناك من يمنحه صدارة التصويت اليوم، إلا أنه ليس هو من يزعج المحافظين، وإنما الأحزاب الصغيرة، مثل: حزب «الاستقلال» الذي لعب دوراً كبيراً في استفتاء العام الماضي؛ لكنه عاد بعد ذلك إلى وضعه الطبيعي؛ حيث لا تمنحه توقعات استطلاعات الرأي أكثر من 4 %. ويخشى المتابعون أن تضيع الكثير من الأصوات على الأحزاب الصغيرة، ويجد حزب المحافظين نفسه فائزاً بأغلبية غير مريحة تسمح بابتزازه عند تشكيل الحكومة الجديدة، وربما تحدث المفاجأة، ويتقدم حزب «العمال» بأغلبية طفيفة، وهو ما سيطرح تحديات لا نهاية لها، ويجبر بالتالي بريطانيا على مواجهتها في هذه المرحلة الصعبة والمخيفة.
الانتخابات البريطانية، اليوم، ستكون حاسمة وأشبه باستفتاء ثان على قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي، وعلى الموقف من مواجهة الإرهاب، لا سيما بعد الهجمات المتكررة، ومن النقاط المسجلة في هذا الإطار التعهدات التي قطعتها على نفسها تيريزا ماي باعتزامها اتخاذ سياسات جديدة وحازمة ضد الفكر الذي ينتج التطرف ويستوطن في بريطانيا، ومانشستر بالتحديد. ومن الواضح أن مشاعر الخوف والقلق، التي تسيطر على البريطانيين جرّاء الهجمات الإرهابية السابقة، والتوجس من هجمات أخرى، ستدفع بالأصوات إلى حزب المحافظين، وتجعل من هذا اليوم يومه وحده، في ضوء الانتقادات الكثيرة التي تلقاها حزب «العمال» الرافض للعديد من السياسات، خصوصاً المتعلقة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وإجراءات مكافحة الإرهاب، فضلاً عن معارضته السياسة الخارجية للمملكة المتحدة بخصوص قضايا دولية عدة، منها: الأزمة السورية، والعلاقة مع روسيا، والإجراءات العسكرية ضد المتشددين. ومن هذه الناحية لا يبدو حزب «العمال» محظوظاً بالنظر إلى المزاج العام الباحث عن الأمن، والرافض لأي تهاون مع الإرهابيين. وهذا المزاج عبرت عنه صحيفة «ديلي ميل» ثاني أكثر الصحف البريطانية انتشاراً، فقد هاجمت على مدى صفحات، «العمال» وزعيمه جيريمي كوربن، ومن التهم الموجهة إليه: أن مواقفه وسياساته تعمل على إضعاف المؤسسات، والتقرب من «أعداء بريطانيا»، وهذا الكلام ليس دقيقاً وحقيقياً؛ لكنه في المعارك الانتخابية يثمر فوزاً كبيراً، خصوصاً إذا كانت الظروف الأمنية والسياسية تؤيده وتمنحه مشروعية.
في الديمقراطيات الراسخة مثل بريطانيا من الصعب التكهن بنتائج التصويت قبل اكتمال إجراءات الاقتراع والفرز؛ لكن ذلك لا يمنع من التوقع بأن هامش المفاجأة ضيق جداً، وهو ما سيضع حزب المحافظين مجدداً على صدارة المشهد البريطاني، وفي مرحلة لن تكون كسابقاتها؛ بسبب الاستحقاقات المستوجبة على لندن محلياً وأوروبياً ودولياً.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى