مقالات رئيس التحرير

ازدواجية الأنف الواحد

محمد القبيسي

ترد إلي الكثير من القصص الإدارية بين الحين والآخر، والكثير منها فيها من العبر والدروس التي نتعلم منها، وأكتب أحياناً عن بعضها للاستفادة، ومنها ما سأذكره هنا اليوم عن بعض المديرين الذين لا يعرفون مكانهم من الأعراب، وليس من شيء أخطر على عملية الإدارة من ضيق الأفق وقِصر النظر إلا ازدواجية الرؤية والأوامر والمعايير.

لا شك أن بعضكم أوقعه سوء حظه ليعمل في مكان تحت إمرة مدير لا يرى أبعد من أرنبة أنفه فحسب؛ بل تراه كل ساعة برأي مختلف وقرار فجائي يناقض سابقه، وبحال تخالف الحال التي كان عليها منذ سويعات أو حتى دقائق معدودة.

كأنك قبالة تلك النوعية من المديرين أمام ممثّل مخضرم يستطيع اللعب على جميع الأوتار، وتقمّص عدة شخصيات في آن واحد، فتارة هو القائد الفذ المحنك، وتارة أخرى هو الذي ينسب نجاحات الآخرين إليه، وحيناً تراه مفعماً بالأمل والحيوية تشرق من بين عينيه، وعلى حين غرّة ينقلب رأساً على عقب إلى ثقب أسود يبتلع كل من يحاول الاقتراب منه فيحطم الموظفين الذين يعملون معه ويبث في داخلهم الإحساس بعدم تقدير الذات ويغار من إنجازاتهم، وهكذا دواليك.

إن مشكلة هذا النوع من المديرين أنك لا تدري كيف تتعامل معهم تبعاً لتقلب حالهم المستمر، ولا كيف ترضي ذوقهم المتغيّر والمتناقض من دقيقة لأخرى، فلا غرابة أن يطلب منك أحدهم القيام بعمل محدد طوال اليوم، لتراه بعد أن تنجز نصف العمل المطلوب يصدر أمراً بإلغاء المهمة والبدء في مهمة مختلفة كلياً، تاركاً إياك في حيرة من أمرك والأسئلة المبهمة على أشكالها تغمر عقلك الغارق في بحر الغموض: «هل ارتكبت خطأ لذلك أقصاني من المهمة الحالية؟ أم وجد من هو خير مني للقيام بها؟ أم لم يعد يريدها ببساطة؟ أم ماذا بالضبط؟»
أما الطامة الكبرى، فهي أن ذلك المدير لا يدري أنه يتسبب بتشوش موظفيه وتشتتهم وعدم معرفتهم لما يجب عليهم القيام به.
إن هذه الازدواجية في القرارات والمعايير وما ينتج عنها من تخبّط الموظفين تحت إشراف مدير لا يعرف هو نفسه ما يريد؛ بل ولا يدرك أنه السبب الرئيسي في قتل رغبة موظفيه في العمل وقدرتهم على الإبداع والابتكار، كفيلة بعرقلة العملية الإنتاجية وتبديد الطاقات البشرية التي تحتاج إلى قبطان حكيم يوجه دفّة السفينة إلى الوجهة الصحيحة. لذلك إن كنت مسؤولاً وترى فيك هذه الصفات أو إحداها فأنت أمام خيارين إما أن تعدل من نفسك بالتدريب والتعلم والاطلاع وإما أن تترك المجال لغيرك.

زر الذهاب إلى الأعلى