مقالات اقتصادية

الأُسر المنتجة.. من المهارة إلى الصناعة

ياسر صالح البهيجان

الأُسر المنُتجة طاقة وطنية بإمكانها المساهمة بفاعلية في نمو الاقتصاد الوطني، متى ما توافرت لها سبل الازدهار، وانتقلت من نظامها التقليدي الشعبي إلى آفاق جديدة تنسجم مع تحديات السوق، وتستحيل إلى مشروع تجاريّ مكتمل النمو وخاضع للتنظيم والتأهيل والتطوير.
نحن نتحدث عن انتقال المهارة إلى صناعة بجميع ما تقتضيه الصناعات من إمكانات تكنيكية ومعرفية، ولا شك في أن الطهي مهارة تجيدها معظم الأُسر المنتجة الحاضرة بقوّة في السوق حاليًا، لكنها تُضيع البوصلة وتسير نحو اتجاهات ضبابية بسبب افتقادها لأبجديات ممارسة العمل التجاري، ما يجعلها ضحية جهلها، إما باستغلال أصحاب المتاجر لها وبخسها ثمن سلعتها، أو بمغالاتها بسعر السلعة لعدم إدراكها لأهمية تماشيها مع أسعار السوق وتأثرها بحجم المنافسة وقدرة المستهلك الشرائية.
أُسر سعودية عاملة نتمنى لها جميعًا النجاح، لكنّ الواقع يؤكد أن ما يجري في السوق ليس إلا فورة وتعاطف شعبي مع ما تطرحه تلك الأُسر من منتجات، وهذا ما يجعلنا نطالب بضرورة المسارعة لانتشال تلك الأُسر من العمل العشوائي، وإخضاعهنَّ لبرامج تدريبية تمكنهنَّ من صنع علامتهنَّ التجارية الحافظة لحقوقهنَّ، والتي تساعدهنَّ على الارتقاء بجودة المنتجات، لتتمكن من وضع قدم راسخة لها في السوق.
نتطلَّع لتنظيم أكبر لسوق الأُسر المنتجة، ابتداءً بإلزامها إصدار تراخيص نظامية، وخضوع معاملها للرقابة الدورية، وفحص منتجاتها لضمان سلامتها من أي أضرار، إلى جانب إنشاء منصّة بيع إلكترونية رسمية لهنّ عبر تطبيق ذكيّ، أو بتوفير فرصة إقامة تحالفات بين التجَّار والأُسر لتأسيس متاجر على الأرض تجعل منها شريكًا في المشروع.
نريد أن تتحوَّل نواة الأُسر المنتجة إلى مشاريع وطنية رائدة بإمكانها أن تلبي احتياجات السوق السعودي من الأغذية، نريدها أن تصبح جهات مستقطبة لآلاف الشباب من الجنسين للعمل فيها، سواءً في مجال الطهي أو التعبئة أو التوزيع أو البيع أو التسويق، وجميع ذلك أمر ممكن إن تحوَّلت المهارة إلى صناعة، وإن جرى تأهيل الأُسر تأهيلاً احترافيًا يعيد تشكيل وعيها حول منتجها، ويمدها بالمعارف التي تحتاجها لتبدأ بتأسيس علامات تجارية قادرة على البقاء والمنافسة.

المرحلة الحالية لاقتصادنا مؤاتية، وإمكانات دعم تلك الأسر متوافرة، وما ننتظره هو بلورة الرؤية إلى مشاريع حقيقية على الأرض من جانب، وتفاعل الأسر المنتجة مع البرامج والخطط التطويرية لترتقي بأدائها وتعزز من مستوى مشاركتها في اقتصادنا الوطني من جانب آخر.

*نقلاً عن “الجزيرة

زر الذهاب إلى الأعلى