مقالات عامة

المُتشائِلون!

خيري منصور

كان الراحل إميل حَبيبي أول من دمج بين التشاؤم والتفاؤل بأسلوبه الساخر، وكان اسم بطل روايته التي حذفت الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم سعيد أبي النحس، تماماً كما فعل آخرون تلاعبوا بالكلمات؛ لكن بأسلوب له دلالات وليس مجانياً، كالدمج بين نعم ولا في كلمة «لَعَمْ» تعبيراً عن الذين يمسكون العصا من الوسط ولا يبدون أي موقف إزاء القضايا حتى لو كانت مصيرية.
وعلى غرار إميل حبيبي هناك من دمجوا بين الأصدقاء والأعداء في مفردة واحدة هي «الأعدقاء» الذين لا يعرف المرء ما إذا كانوا معه أو ضده؛ لأنهم يتكلمون بنصف لسان.
وفي أيامنا هذه نسمع من خبراء ومتقاعدين تفرغوا للإعلام الفضائي عبارات لا نعرف من خلالها، ما إذا كانوا متفائلين أو متشائمين؛ لأنهم يريدون في اللحظة ذاتها استرضاء السماء والقيصر، وتصوروا أن المراوحة في المسافة بين الجنة والنار أو المنزلتين هي الضمانة لتجنب وجع الرأس أو حتى العتاب قبل أن يصبح بفضل ثقافة الوشاية والنميمة عقاباً!
وقد يكون لديهم بعض الحق، فما يجري في عالمنا يمتزج فيه الدمع والضحك، سواء على طريقة الشاعر المتنبي أو على طريقة الكاتب الساخر فكري أباظة في كتابه الشهير «الضاحك الباكي».
لكن الحياة بها متسع لكل شيء، تماماً كما أن في الغابة كما قالت أديث سيتويل متسعاً للفراشة والأسد والصرصار!
وقد يصادف المرء في طريقه إلى عمله جنازة وعرساً يتجاوران عند إشارة مرور، وفي كل لحظة هناك من يموتون مقابل من يولدون، والجدلية أبدية بين المهد والتابوت، وشفق النهار وغسق الغروب!
لهذا فإن من يسقطون في براثن التشاؤم الذي ينتهي إلى اليأس هم الذين لا يرون من المشهد إلا نصفه، ولا يتعاملون مع الممكنات الكافية في مجتمعاتهم والتي سوف يتشكل منها المستقبل.
المتشائلون أضاعوا المشيتين؛ لأنهم أقاموا في منتصف المسافة الطويلة بين الهديل والنعيق، وبين البشير والنذير!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى