مقالات عامة

ثقافة الظلام

خيري منصور

حين تُنشَر تقارير وإحصاءات عن التنمية ومعوقاتها في العالم العربي، والتي تصل أحياناً حدّ «الأنيميا» يعلق الظلاميّون ومُنظّرو ثقافة الكراهية عليها قائلين: إن السبب هو عدم اتباع الأغلبية لتعاليمهم وما يَبثّونه من خرافات. ولو كان لديهم حدّ أدنى من الوعي والقدرة على الاستيعاب لأمكن إقناعهم بأن العكس هو الصحيح وأنهم سبب كُلّ عِلة، وهم الذين لا يكفّون عن وضع الهراوات الغليظة في الدواليب، ومرجع سوء التفاهم هذا إلى كون من انكفأوا داخل شرانقهم وقرّروا أن لا يروا من المشهد الكوني كُلّه غير ما يروق لهم يريدون من عقارب الساعة أن تدور إلى الوراء، ومن الأنهار أن تعود إلى منابعها، ومن الشمس أن تغيب إلى الأبد ويعمّ الظلام!
ويبدو أن للجهل درجات أيضاً، كما هو الحال في العلم، لكن درجات الجهل تشبه درجات الغيبوبة التي ينقطع المُصاب بها عن العالم والحياة في الدرجة الأخيرة، حيث لا مجال للتدارك!
وما ألحقته ثقافة الظلام من أذى بمجتمعاتنا منذ ما يقارب القرن قد ينافس الأذى الذي لحق بهذه المجتمعات من قُوى الاستعمار، وكما قال هربرت ريد، فإن التحالف قائم سواء كان مُعلناً أو مخفياً بين أعداء الحياة والتطور على اختلاف هويّاتهم وأسمائهم.
ومن المضحك المبكي أن نسمع من أناس احترفوا محاربة التغيير والتطور بأن سواهم ممن بشّروا بالتنوير والحداثة هم سبب هذا التخلف وما يفرزه من كوارث تعوق نمو الأفراد والجماعات معاً!
وذات يوم كان الإمام محمد عبده أشبه بزرقاء اليمامة؛ لأنه رأى عن بُعد قَرْنٍ ما حلَّ بهذه الأمة من مُدّعِي الدفاع عنها وعن دينها وثقافتها، ومما قاله أنه يخشى على الدين الحنيف من بعض أصحاب العمائم أكثر مما يخشى عليه من أصحاب القُبَّعات والطرابيش. وكانت الطرابيش في زمنه ذات دلالة خاصة على التمدّن والسعي للحاق بالعصر!
أليست مفارقة أن يزعم الظلاميّون بأن سبب تخلف العالم العربي وما ألمّ به من كوارث هم التنويريون ورُوّاد التحديث والعقلانية؟
ليتهم يعرفون السبب كي يبطل لديهم العجب!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى